للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأولئك يجوز أن تتكون فئة مختلطة تفكر أو تعتقد بتبرئة السلف - وبتعبير آخر يمكن أن يحدث على عهدها مثل هذه النظرية التي خلقها التطور الفكري - والسيد المرتضى وإن اكتفى بذكر النظرية عن تحديد وقتها أو تعيين الجيل الذي اعتنقها فإني أرى أن خير جيل وأفضل وقت يمكن أن تتجلى فيه نظرية نسبة عصيان العبد إلى الله هي المدة بين سنة ٦٠ و ٦٩ مراعين في ذلك سنن الاجتماع ومدى تطور عقلية الجماعة.

وإجمال القول أننا جعلنا التسعة والعشرين عاماً بين سنة ٤٠ و ٦٩ هي المدة التي تطورت فيها النظرية من قضية بسيطة إلى قضية مركبة، أو من دور الشعور بها فالتفكير، إلى دور نضوجها وبروزها نظرية ثم معتقداً، ذلك المعتقد الذي اضطر أبا الأسود الدؤلي وإخوانه التابعين إلى إنكاره. ومن الأدلة على صحة رأينا هذا هو المكانة العلمية التي كان عليها الحسن البصري كما يظهر من قول المرتضي (وكان الحسن بن أبي الحسين البصري ممن نفى ذلك) فإنك تعلم أن مثل هذه المكانة لا يبلغها إلا من قارب عمره ٣٩ عاماً وقد كانت ولادة البصري سنة ٣٠ هـ وعليه لا بد وأن تكون المدة من ٦٠ إلى ٦٩ هي القدر المتناسب لخلق نظرية نسبة المعاصي لله.

(٢) علماء النفي ورأيهم:

أما علماء النفي فيظهر لنا من المقدمة أن المرتضي يرى أنهم جمع غفير من السلف الصالح فإنه بعد ما ذكر سلسلة صالحة من التابعين ألحقها بقوله: مع جماعة كثيرة لا تحصى. والمنطق يحكم في ذلك. فإن سواد الأمة ورجال العمل فيها مسوقين طبعاً لرفض نسبة معاصي العباد إلى الله، ذلك القول الذي ينفر منه الحس ولا يقبله العرف فقد عسر على فهم الناس الإذعان بأن الكفر والفسق وسائر الإجرام التي يرتكبها العصاة عادة - تنسب إلى الله وهو في الوقت نفسه العادل الرؤوف الرحيم. فكان رأي هؤلاء القول بالعدل وأنهم ينفون أن تنسب معاصي العباد إلى الله.

ويضيف المرتضي إلى ذلك أنه لم يكن في ذلك الدور الذي حصرناه بين ٦٠ و ٦٩ غير بحث المعاصي نفياً وإثباتاً.

فإن قيل إن النقطة الأولى أعني البحث في نسبة المعاصي لله يؤول إلى القول بالقدر الذي هو بمعنى الجبر على رأي المرتضي، وأيضاً النقطة الثانية أعني البحث في نفيها عنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>