للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنسبتها إلى الإنسان تؤول إلى القول بالاختيار وهو الذي يدعوه المرتضي العدل. قلت: ولكن هذا المآل لا يتحقق فعلاً قبل تفهم الأمة حقيقة بواعثه نفسها وقتلها بحثاً ودرساً ثم تطبيقاً، ومن الجائز تحقق ذلك وتحقق هذا المآل ولكن بعد سنة (٦٩) أي بعد تقادم نظرية نسبة المعاصي ونفيها، وأيضاً بعد مرور زمن يتناسب مع مدى تقدم عقلية الأمة، وعليه فيكون عهد نظرية القدر ونظرية الاختيار متأخراً كما قال المرتضي بعد عهد طويل.

ولا يذهبن بنا الظن إلى أن معنى تأخر هاتين النظريتين أنهما لم تخطرا ببال أحد ولم يعرض لهما الكتاب والسنة والأحاديث مطلقاً، فقد عرض الكتاب في مختلف الموارد إلى القدر والاختيار تصريحاً وتلميحاً وكناية، وكذلك الحديث؛ غير أنا لا نرى أن ذلك يستلزم أن تصبح علماً مفرداً لدى الناس إذ ليس كل ما يعرض له الكتاب والسنة يتفهم الناس نظرياته العلمية فعلاً، فقد جاء أن الكتاب يحوي بين دفتيه علوماً لم تكتشف بعد. ولذلك رأينا الشريف المرتضي قد خطأ القائلين أن القدر أول موضوع في علم الكلام فقال: ولم يك ما وقع من الخلاف حينئذٍ يتجاوز باب نسبة معاصي العباد إلى الله ونفيها عنه. ومن هنا نعرف أن رأي المرتضي لا يتفق مع رأي القائلين بأن معبد الجهني وغيلان الدمشقي هما أول القائلين بالقدر وإنما يرى فيهما كما عرفت في أنهما يقولان بنفي معاصي العباد عن الله وهي النظرية العدلية. وخلاصة رأي المرتضي كما يأتي:

(١) إن أولى النظريات في علم الكلام الإسلامي هي نظرية نسبة المعاصي إلى الله

(٢) ثانيتهما النظرية العدلية وهي رأي علماء النفي

(٣) يستنتج أن عام ٦٠ - ٦٩ هو أعلى حد يمكن أن يكون مبتدأ لتاريخ علم الكلام؛ وذلك لأنا ضبطنا الأرقام على أساس تاريخ وفاة العلماء أي على أخس المقدمات. ومن هنا يعرف القارئ أن تاريخ علم الكلام يجوز أن يتقدم على سنة ٦٠ ولا يمكن أن يتأخر عن سنة ٦٩، وهكذا الشأن في جميع أرقام بحثنا التالية فيجوز عليها التقدم ولا يجوز التأخر وسيتجلى رأي المرتضى أكثر في أجزاء المقدمة التالية قال:

(بيان القدرة والمقدور وما أشبهه. فأما الكلام في خلق أفعال العباد في الاستطاعة وفيما اتصل بذلك وشاكله فإنما حدث بعد دهر طويل، ويقال إن أول من حفظ عنه القول بخلق أفاعيل العباد جهم بن صفوان فإنه زعم أن ما يكون في العبد من كفر وإيمان ومعصية فالله

<<  <  ج:
ص:  >  >>