للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإنسان يزداد بنسبة ما تقدمه الطبيعة لإسعاده. . .)

هكذا يقدم لنا سافاري ذلك المنظر المحزن منظر مصر الإسلامية وقد أودى الحكم التركي الغاشم بكل عظمتها وبهائها السابقين.

ويصف لنا سافاري ثغر بولاق الذي كان مدخل القاهرة يومئذ، ومرساه الضخم الذي يغص بمئات السفن، وما به من الخانات التي خصصت لسكنى التجار الأجانب وتخزين بضائعهم. وفي مياه بولاق أيضاً كانت ترسو سفن النزهة البديعة التي يتخذها البيكوات وغيرهم من الأكابر للنزهة والسمر في النيل أيام الصيف الحارة ولا سيما في الليالي المقمرة. ثم يصف الرحالة بعد ذلك جزيرة الروضة والمقياس، ويستعرض تاريخ مقاييس النيل وقصة وفائه؛ وهنالك في الروضة على مقربة من المقياس كانت طائفة من القصور الفخمة التي خصصها البيكوات للتنزه فيها مع حريمهم وهي منعزلة تحيط بها الرياض الفيحاء، ولا يسمح لإنسان بالاقتراب منها ولا سيما حينما يوجد بها حريم الأمراء.

أما الحياة الاجتماعية المصرية فيخصها سافاري بكثير من عنايته، ويفرد لها عدة رسائل شائقة؛ وهو يصف المصري بالكسل، ويقول لنا إن الجو يؤثر في عزيمته، ومن ثم فانه يميل إلى الحياة الهادئة الناعمة، ويقضي يومه في عمله وفي منزله، ولا يعرف المصري صخب الحياة الأوربية وضجيجها، وليست له أذواق أو رغبات مضطرمة. ونظام العائلة المصرية عريق في المحافظة، فرب البيت هو السيد المطلق؛ ويربي الأولاد في الحريم ويدينون للوالد بمنتهى الخضوع والطاعة والاحترام، ويعيش أفراد الأسرة جميعاً في منزل واحد، ويتمتع الوالد بكل مظاهر التكريم والإجلال ولا سيما في شيخوخته. ويجتمع أفراد الأسرة حول مائدة الطعام جلوساً على البسط؛ وبعد الغذاء يأوي المصريون إلى الحريم حيناً بين نسائهم وأولادهم؛ وفي المساء يتريضون في النيل في قوارب النزهة، ويتناولون العشاء بعد الغروب بنحو ساعة. وهكذا تجري الحياة على وتيرة واحدة. ويشغف المصري بالتدخين ويستورد الدخان من سورية ويخلط بالعنبر. وللتدخين أبهاء خاصة منخفضة يجتمع فيها السيد مع مدعويه؛ وبعد انتهاء الجلسة يأتي الخادم بقمقم تحترق به العطور، فيعطر للمدعوين لحاهم، ثم يصب ماء الورد على رؤوسهم وأيديهم.

والمرأة المصرية ماذا كانت أحوالها في ذلك العصر؟ يقول لنا سافاري إنها كانت كالرقيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>