للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا تلعب أي دور في الحياة العامة؛ وإذا كانت المرأة الأوربية تسيطر على العروش، وتقود الآداب والعادات، فان دولة المرأة في مصر لا تتعدى (الحريم) ولا علاقة لها بالشئون العامة. وأعظم أمانيها أن تنجب الأولاد، واهم واجباتها أن تعني بتربيتهم. والحريم هو مهد الطفولة ومدرستها، وفيه يربى الأولاد حتى السابعة أو الثامنة. كذلك يعني النساء بالشئون المنزلية، ولا يشاركن الرجال في الظهور، ولا يتناولن الطعام معهم إلا في فرص خاصة، ويقضين أوقات الفراغ بين الجواري والغناء والسمر؛ ويسمح لهن بالخروج إلى الحمام مرة أو مرتين في الأسبوع. وهنا يصف لنا سافاري حمامات القاهرة، ومناظر الاستحمام والزينة، وكيف يشغف النساء بالذهاب إلى الحمام مع جواريهن، وهنالك يقضين أوقاتاً سعيدة بين مجالي التزين واللهو، ويستمعن في الأبهاء الوثيرة إلى الغناء وقصص الحب

وتستقبل المرأة زوارها من النساء بأدب وترحاب، ويحمل الجواري القهوة، ويدور الحديث والسمر، وتقدم أثناء ذلك الفاكهة اللذيذة، وعند الانتهاء من تناولها تحمل الجواري قمقم ماء الورد فيغسل المدعوات أيديهن، ثم يحرق العنبر وترقص الجواري. وفي أثناء هذه الزيارات النسوية لا يسمح للزوج أن يقترب من الحريم، إذ هو مكان الضيافة الخاصة، وهذا حق تحرص المصريات عليه كل الحرص. وقد ينتفعن به أحياناً لتحقيق أمنية غرامية، إذ يستطيع العاشق أن ينفذ إلى الحريم متنكراً في زي امرأة، فإذا لم يكتشف أمره فاز ببغيته، وإذا اكتشف أمره كان جزاءه الموت. والمرأة المصرية مفرطة في الحب والجوى، مفرطة في البغض والانتقام، وكثيراً ما تنتهي الروايات الغرامية بفواجع مروعة

وتوجد طبقة خاصة من نساء الفن هي طبقة القيان (العوالم)، وهؤلاء العوالم يمتزن بالذلاقة ومعرفة الشعر والمقطوعات الغنائية، ولا تخلو منهن حفلة، وتقام لهن منصة يغنين من فوقها، ثم ينزلن إلى البهو ويرقصن في رشاقة ساحرة، وأحياناً يبدين في صور مثيرة من التهتك، ويدعون دائماً في كل حريم، وهنالك يروين القصص الغرامية ويخلبن الألباب بذلاقتهن ورشاقتهن وفصاحتهن.

وهكذا يحدثنا سافاري بإفاضة عن الحياة الاجتماعية المصرية في أواخر القرن الثامن عشر، ولأحاديثه في هذا الموطن قيمة خاصة؛ فهي أحاديث باحث مطلع درس وشهد بنفسه، وملاحظات عقلية مستنيرة، تمتاز باتزانها ودقتها فيما نلاحظ وفيما تصف وتعرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>