العصفور المسكين على هذه الصورة، أما القطة، فهل تأثرت أو أحست ندماً على ما ارتكبت؟ كلا! بل ها هي ذي جالسة في سكون وطمأنينة، كأن لم تقترف ذنباً ولئن رفعها بعنف على المائدة فإنها لن تعرف لهذا الاضطهاد سبباً. عجباً ألا يستطيع هو أن يكون مثلها؟ إلا يمكنه أن يقترف الإثم كما فعلت هذه الهرة، ثم ينسى كل شيء بعد ارتكاب الجريمة بلحظة؟ إن الآفة الكبرى التي تستحقه وتعنيه هي انه يتذكر. . يتذكر أبدا ويعلم أن الناس سيذكرون أبدا. لكنه يخيل إليه انه في هذه الليلة يرى الأمور في ضوء جديد. . مثلاً: نظرته إلى أمه. . . انه لم ينظر إليها الليلة كأنها أم. . . بل امرأة عجوز كأمثالها من النساء. . . ذات جسم ضخم وانف غليظ قد اعوج قليلاً أحد جانبيه. ولها شامة كبيرة في قاعدة منخرها الأيسر، وخداها الشاحبان تغشاهما خطوط زرقاء من الأوردة الدقيقة. وقد تدلى كل خد في ترهل وضعف. . . وقد جعلت تنظر إليه بعينين متعبتين خائرتين. وحين حدق في وجهها أطرقت بعينها، وقد ملأها الخجل والعار. . . ولكن مم تخجل الأم؟ لقد كان يعرف جد المعرفة سر هذه الخجل، وهذا الشعور بالعار. وأخيراً ضحك ضحكة الساخر. وقال ((عمتي مساءً أماه!)) وانطلق إلى حجرته، واغلق بابها.
جلست الأم إلى مائدة الحياكة، لكي تتم خياطة ثوب، ستحضر صاحبته في طلبه في الصباح. لكنها لم تجلس لتتم عملها فحسب، بل لكي تفكر قليلاً. . . ماذا عساه قد جرى لفتاها الليلة؟ طالت غيبته ولم يرجع إلا متأخراً. وكانت تغشاه رعدة. ووجهه شاحب كأنه خرقة بيضاء. . . وليس الشراب سبب هذا الاضطراب. إنها لم تنشق من فمه رائحة الخمر وليس دييجو من الشاربين. ومع ذلك، فليس من شك في انه قد ألم به اليوم حادث. أتراه قد التقى من جديد بأولئك الرفقاء الأشرار. الذين كانت صحبتهم وبالاً عليها ودماراً. ذلك ما كانت تخشاه:: نهضت من كرسيها، ومشت على أطراف قدميها حتى وصلت إلى باب حجرته. وأنصتت، فلم تسمع صوتاً لعله إذن قد آوى إلى فراشه وقد غشيه النعاس. . عادت إلى حجرتها. وأخذت تجد في إتمام عملها. كانت من آن لآن تنزع المنظار عن عينيها وتمسحه. لقد كانت من قبل وليس لها مورد رزق سوى ما كانت تمنحه من معاش كإحدى الأرامل. وكانت تجد في هذا كفايتها. أما الآن وقد فقد دييجو منصبه وأضحى بلا عمل. فقد اضطرت إلى السعي والاكتساب. وفوق هذا قد خطرت لها فكرة: وهي أنها