للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبديهي أن حق الطاعة لا يكون للحكام إلا إذا اتبعوا الدستور وساروا على القوانين والعادات المرعية

ومن حق الموظفين الذين انقطعوا عن الكسب لأنفسهم وعن تأمين مصالحهم الخاصة أن تؤمن هذه المصالح من قبل الدولة وأن يمنحوا بعض الامتيازات، ويتمتعوا ببعض الحصانات.

أي أن للموظف قبل كل شيء أن يأخذ راتباً من خزانة الدولة ولكن كيف يقدر هذا الراتب؟ وما هو الأسلوب الصحيح لتعيين مقداره المشروع؟

جاء في البخاري عن عائشة: (أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال)

وكان الذي فرضوا له برديه إذا أخلقهما وضعهما واخذ مثلهما، وظهره (دابته) إذا سافر، ونفقته على اهله، كما كان ينفق قبل أن يستخلف؛ فرضي بذلك

وهذا الأسلوب طبيعي ومقبول، ولكنه شخصي لا يصح اتخاذه قاعدة عامة، لأنه يؤدي إلى الفوضى، ولا يجعل للرواتب أسلوباً معروفاً، ولا أصلاً ثابتاً، ثم إن فيه حيفاً على الموظفين المقتصدين الذين كانوا يعيشون قبل الوظيفة عيشة ضيقة أو النابغين المفلسين الذين لا يجدون قبل الوظيفة ما ينفقون، كما أن فيه منفعة للمسرفين وتشجيعاً لهم على إسرافهم. وقد يرد هذا الاعتراض الأخير بان الموظف لا يعطي إلا ما فيه تأمين حاجاته الضرورية، غير أن في ذلك ظلماً للموظف ظاهراً

فما هي القاعدة المقبولة إذن في هذه الرواتب؟. . .

هي أن يعطي الموظف اقل بقليل مما يستطيع أن يحصله من العمل الحر، أو ما يحصله رجل مكافئ له في المواهب والسجايا والكفاءة من عمل مشابه لعمله؛ وهذا تقدير معقول دائم الاعتبار يختلف باختلاف البلدان والشعوب، وغناها وفقرها، ورقيها وانحطاطها، وكون ما يعطاه الموظف أقل بقليل مما يستطيع تحصيله في العمل الحر، ناشئ عن فكرة الدوام في الوظيفة بالنسبة للعمل الحر والراحة والاطمئنان فيها؛ فالتاجر لا يضمن لنفسه مقداراً من الربح كل شهر، كما تضمن الدولة للموظف راتبه، والتاجر مهدد بالإفلاس

<<  <  ج:
ص:  >  >>