والضياع، وليس على الموظف شيء من ذلك. ثم إن الدولة توفر للموظف من راتبه قسطاً كبيراً يكفيه ويغنيه أيام مرضه وتقاعده عن العمل، والتاجر موكول إلى نفسه
وللرواتب ضابط آخر هو ألا تزيد نسبتها في الميزانية العامة عن الخمس (عشرين في المائة) وهذا طبيعي لأن الغاية من الحكومة ضمان المنفعة العامة، وهؤلاء الموظفون وسيلة إلى هذه الغاية. أفيعقل أن تكون الوسيلة غاية؟ أيعقل أن يأخذ الأعضاء الإداريون في الشركة نصف الأرباح؟ كذلك لا يعقل أن يأخذ الموظفون نصف موازنة الدولة رواتب لهم
وقبل أن ندع الحديث عن وجائب الموظفين وحقوقهم نعرض هذه المسالة: هل الموظفون عمال يقومون بعمل بعينه ثم إذا وفوه كانوا أحراراً في أوقاتهم وأعمالهم، أم هم مقيدون خارج الوظيفة ببعض القيود؟ وبالعبارة الثانية: ما هي علاقة الأخلاق والسلوك بالوظيفة؟ لا أعني التفكير والاتجاه السياسي أو العمل الأدبي، فإنه لا خلاف في أن للموظف أن يفكر كما يشاء أو يعمل أي عمل علمي أو أدبي أراد، ويأتي كل ما يجيزه القانون لغيره من الأعمال العامة ولكن أعنى السلوك الشخصي، واكثر الناس على التفريق بين الأخلاق الاجتماعية، كالصدق والأمانة والأخلاق الشخصية كالعفاف فلا يرون ما يمنع الموظف إذا كان أميناً على أموال الدولة، قائماً بما أسندت إليه من عمل أن يسلك سبيل اللهو، وينتهز اللذات، ويلبي صوت نفسه وجسمه، ولا يرون ذلك قادحاً، ولا يجدون له صلة بالوظيفة
وهذا الرأي باطل كل البطلان، لا سيما في بلاد كبلادنا لا يزال الناس ينظرون فيها إلى الموظف (والموظف الكبير على التخصيص) نظرة إجلال وإكبار، ويتخذونه قدوة ويسلكون مسلكه، وقديماً قيل: الناس على دين ملوكهم، فإذا فسد الموظفون فسدت الأخلاق العامة، ثم إن من الوظائف ماله علاقة ماسة بالأخلاق وما ينبغي في صاحبه الكمال حتى يكون في نظر الناس سالماً من الشوائب منزها عن المعايب كوظائف المعارف (التعليم) والعدلية (القضاء)، جاء في الحديث: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. فما ظنك بمدرس يقوم في النهار واعظاً معلماً، يوفى التبجيل، يكاد يكون رسولا. . . فإذا كان الليل اجتمع هو وتلميذه في الحانة أو الماخور، أو اجتمع معه على الباطل. . . وما ظنك بمفتش يدخل الصف على المدرس، ممثلا القانون والأمة والدين، يراقب ويسجل ويكون لقراره صفة التقديس فلا يرد ولا يكذب، وتكون مقدرات المدرس معلقة به، ما ظنك بهذا المفتش