للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان الشأن في المسلمين الأولين أنهم يفرون من الولاية ويخشونها، ولا سيما القضاء فربما عرض عليهم فأبوا، فنالهم أذى فصبروا واحتسبوا ولم يقبلوا. وحديث الأئمة في هذا الباب أبي حنيفة ومالك وغيرهما مشهور معروف، والأحاديث في التنفير من طلب الوظيفة كثيرة جداً حتى عقد لها الحافظ عبد العظيم في (الترغيب والترهيب) باباً مستقلاً. جاء في الحديث الصحيح (الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم) عن عبد الرحمن بن سمرة: يا عبد الرحمن لا تسال الإمارة، فانك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها

وروى أبو داود الترمذي عن أنس عن النبي (ص) أنه قال: من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده

وروى مسلم وأبو داود عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر: إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها

وكان النبي (ص) لا يولي أحداً حرص على الولاية أو سألها. جاء في الحديث (الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود) عن أبي موسى. قال: دخلت على النبي (ص) أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله، أمرنا على بعض ما ولاك الله تعالى. وقال الآخر مثل ذلك. فقال: إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه

هذا هو الأصل في تعيين الموظفين، يختار الأصلح للعمل، الأقدر عليه وهو مقيم في بيته، ويحتال عليه بالإقناع وبالتهديد حتى يقبل مكرهاً، فانتهى الأمر عندنا إلى ما يعلمه الناس كلهم، وأصبحت تعرض المائة من الموظفين فلا تكاد تجد اثنين من أهل الكفاءات، وإنما تجد من أدخلته الوظيفة شفاعة شفيع، أو جاه وسيط؛ وخير شفيع اليوم (شفيع النواب) وخير وسيط (الأصفر الرنان) أو غير ذلك مما يعلم ولا يقال، وما في قلب كل قارئ منه غصة، وما يحفظ منه كل قارئ حوادث وأخباراً. . .

الموظفون في بلادنا

وما دمنا في الحديث عن بلادنا. وما دامت غايتنا الإصلاح فلنصور الداء كله. . .

قدمنا الكلام في أن الوظيفة ضرورة تقدر بقدرها وان عدد الموظفين يجب أن يكون معلقاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>