والجدب والأوبئة ليس كل ذلك إلا نتائج جرائم الإنسان وحيدته عن الطريق المستقيم، فإذا ما حدث في السماء هذا الاضطراب الناشئ من سلوك الإنسان وأعقبه اضطراب الأرض عاد الأثر من جديد إلى السماء فتضاعف اضطرابها. ولهذا تقول (أونج فان) أو القاعدة العظمى، وهي أقدم مستند فلسفي صيني: إن سلوك احترام من يستحق الاحترام يجلب الغيث في الوقت المراد والتبصر يجلب الحرارة في الوقت المراد والتمرن على التأمل يجلب البرودة في الوقت المراد، وحكمة الملك تجلب الهواء في الوقت المراد، ولكن الفظاظة تديم المطر من غير انقطاع، والكسل يديم الحرارة من غير انقطاع، والتهوس يجلب البرد من غير انقطاع، واحتقار ما يستحق الاحترام يجلب الجدب، والحماقة تجلب العاصفة)
وإذا رأينا أن الصين يربطون المظاهر الطبيعية بالفضائل والأخلاق إلى هذا الحد، استطعنا أن نجزم بأن الواجب هو الذي كان له القيادة العليا في هذا الشعب، وبأن كل فرد كان يحاول بقدر طاقته أن يكون فاضلا حتى لا يكون مجلبة للوباء أو للجدب فتشقى بسببه الأمة جمعاء، ولكن الفضيلة عندهم لم تكن تتحقق بعمل أو ببضعة أعمال خيرية وإنما هي كمال الخلق وتحقيق الاستنارة التامة للنفس، واتباع الصراط السوي في كل شيء، ذلك الصراط الذي هو موجود بالفطرة لدى كل روح بشرية والذي هو برهان احترام النفس الإنسانية وارتباطها بالسماء. وأكثر من ذلك أن المستصينين الذين اشتغلوا باللغة الصينية عثروا في دراساتهم على أن كلمة:(تاو) التي هي الطريق المستقيم أو الغاية المثلى لكل الكائنات أو تحقيق الواجب تدل أيضاً على نصيب الإنسان الممنوح له من السماء، وهذا برهان آخر على ارتباط الفضيلة والواجب بحظ الإنسان في الحياة عند هؤلاء القوم.
وعند الصينيين أن الإنسان خير بفطرته، لأنه جزء الطبيعة والطبيعة هي الإله، ولكن الإنسان ليس مجبراً على اتباع طبيعتها الخيرة دائماً مثل النبات أو الحيوان، وإنما هو كائن مفكر له كسب واختيار قد يبعدانه أحياناً عن الصراط السوي الذي هو صوت السماء أو صوت الطبيعة. أما الخير الموجود في نفسه، فليس كامل التكوين، وإنما هو موجود على هيئة استعداد فقط وعليه هو أن يحققه حتى تصبح الفضيلة طبيعة عملية له.
وهنا أحسب أني لست في حاجة إلى التنبيه إلى أن الصينيين قد سبقوا الرواقيين إلى هذه