النظرية بعدة قرون حيث قرر هؤلاء الأخيرون أن الإنسان هو جزء الطبيعة التي هي الاله، وأنه خير بفطرته، وأن الشر لا يقع منه إلا إذا حاد عن طبيعته، وأن هذه الحيدة لا تأتيه إلا من التفكير وحرية الاختيار.
وعلى ذكر حظ الإنسان الذي تمنحه إياه السماء ينبغي لنا أن نشير هنا إلى أن القدر كان عند الصينيين على نوعين: الأول هو الأقدار الناشئة عن أفعال الإنسان نفسه، وهذا النوع لا يمكن تعديله أو التغيير فيه. والنوع الثاني هو الحظ الذي تبدأ السماء بتوزيعه على الإنسان، وهذا يمكن تلطيفه أو تحويل شره إلى خير كما ينص على ذلك كتاب (شو - كينج)
رفع الصينيون إلههم إلى أسمى آواج الكمال الخلقي فنزهوه عن الظلم وعن الاستثناء (المحسوبية) فمن المستحيل مثلاً أن ينزل بالبشر الآلام والازدراء اتباعاً لهواه، أو أن يطرد من رحمته إنساناً لم يجرم، أو أن يعفو عن آثم لم يقلع عن إثمه كما كان يفعل آلهة البابليين والعبرانيين؛ وإنما هو إله فاضل يمنح النعمة والسعادة للأخيار، ويقسو إلي أقصى حدود القسوة على المجرمين والشرار. وفي هذا يقول كتاب (شو - كينج) ما نصه. (إن الفضيلة وحدها هي التي تؤثر في السماء، وإنه لا يوجد أمام الفضيلة ألبته شيء بعيد بحيث تعجز عن اللحوق به، وإن المتكبر منخفض، والمتواضع مرتفع؛ فإذا لاحظت ذلك، فإنك ستسير على صراط السماء. . .)
من الفضائل الهامة التي نصت عليها الأخلاق الصينية الرحمة التي تجب للصغير على الكبير، وللضعيف على القوي، وللفقير على الغني. ويحدثنا أحد العلماء بأن الآية الموجودة في الإنجيل في هذا الصدد موجودة بنصها في اقدم الكتب الصينية وهي:(إنما السعداء هم الرحماء) راجع الإنجيل وكتابي (شو - كينج) و (إي - كينج)
ومما لا شك فيه هو أن الفلسفة العملية الصينية لم تكف لحظة عن مهاجمة العنف وعن الأمر بالرحمة في المعاملات، بل وعن إفهام الأقوياء والأغنياء أن الضعفاء والفقراء خير منهم؛ وأن هذه الخيرية سر غامض كامن وراء هذه المظاهر السطحية الخداعة من غنى وقوة وجاه. ومن هذا ما يقوله كتاب (إي - كينج): (إن الهواء الذي يصفر في السماء إنما هو تصوير لقوة الرجل الذي يظهر صغيرا، وإن الرجل الذي يمشي فوق ذيل النمر دون