للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أقنعت هذه النظرية الملوك بأن الحكم بحد السيف والخنجر مستحيل، وبأن السلطة الوحيدة الدائمة إنما هي المنبثقة من الفضيلة، وفي هذا يقول كتاب (إي - كينج) في وعظ الأمراء: (إن القوانين القاسية لا تستطيع أن تحقق الرخاء، وإن نصيب الحزم يساوي نصيب الخيرية، وإن القسوة يجب أن تقف عند التوسط، فإذا ما تعدته فقدت نتيجتها النافعة. ومن يطبق القانون بوداعة مع حزم، وبخيرية مع قسوة معتدلة، يفز بالشهرة، إذ يكون قد أدى وظيفته على وجه الكمال. إن الشعب إذا أحس بقسوة القانون عصاه دون اقل تأنيب من الضمير) ويقول أيضاً: (إن الوداعة الداخلية، والحزم المعتدل، والترضية الممنوحة للجميع من غير استثناء، والأمانة، والاستقامة، كل ذلك هو الذي يحقق تحسين حال الشعب ويعظم امتداد الثقة حتى تتناول الخنازير والأسماك)

لم تكن هذه القواعد الأخلاقية عند الصينيين مجرد نظريات علمية تسجل في الكتب دون أن تحقق في الواقع، كلا، وإنما كانت أخلاقاً عملية طبقها الشعب: عامته وخاصته وملوكه. ومن هذا السمو الأخلاقي العملي ما تحدثنا به الأساطير الصينية عن أحد ملوك عصر ما قبل التاريخ، وهو (هوانج - تي) أي الإمبراطور الأصفر الذي عاش حوالي القرن السابع والعشرين قبل المسيح، والذي تمثله لنا الأسطورة مثلاً أعلى للفضيلة والحكمة، وإن كانت الكتب المقدسة لا تذكر عنه شيئاً

أما (شو - كينج) فهو يحدثنا أن بلاد الصين كانت سعيدة قوية في عهد ملوك الأسرتين: الأولى والثانية أي أسرتي (هيا) و (شانج - إين) لأن ملوكهما كانوا فضلاء وحكماء؛ وكذلك امتدت السعادة إلى أول عهد الأسرة الثالثة التي أسسها (وين - وانج) الحكيم الذي كان يطلق عليه اسم الملك المهذب، والذي هو النموذج الأعلى لكونفشيوس، والذي ساهم بخطه في نسخ (إي - كينج) وقد حكم في سنة ١١٢٢ قبل المسيح

غير أن السلطة انتقلت إلى ملوك غير مستقيمين فسلبت السماء سلطتها منهم، وسقط الشعب في حضيض التنازع والتفرق، واخذ صغار الحكام يستأثرون بالسلطة. وعلى الجملة ساد الشقاء والبؤس تلك البلاد خمسة قرون كاملة انتهى بانتهائها هذا العصر وبدأ العصر الذي سنتحدث عنه في الفصل الآتي

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>