مجتمعه صدوراً إدارياً، لأن ذلك المجتمع الممثل في أوامره الحية إنما هو عندهم صور أمينة للأوامر السماوية. وهكذا نرى أن القانون والحرية هما الدعامتان الجوهريتان للخلاق الصينية، وفوق ذلك فهما تذكراننا بعبارة (كانت) القيمة، وهي:(إن السماء التي تسطع نجومها فوق رأسي هي عين القانون الأخلاقي الذي في داخل نفسي)
نظام الأسرة
كان لرب الأسرة في الصين كما كان في روما حق الحياة والموت على جميع أفرادها بدون استثناء ودون أي تذمر أو اعتراض، ولكن بقدر ما كان أرباب الأسر في روما قاسي القلوب متحجري الأكباد لا يبالون بتضحية فرد أو عدة أفراد في سبيل هوى من الأهواء أو شهوة من الشهوات. كان رؤساء الأسر في الصين على العكس من ذلك تماماً تفيض الرحمة من قلوبهم، وينبع الحنان من بين جوانحهم، ولا يسلكون مع جميع أفراد أسرهم إلا سبل العدالة والاستقامة، ولا يتخذون في معاملاتهم إياهم رائداً غير الفضيلة، وإن كانوا لا يتوانون لحظة واحدة في اتخاذ أقسى أنواع الحزم إذا تطلبت الحالة الأخلاقية أو الاجتماعية ذلك. أما واجبات المرؤوسين نحو رؤسائهم في الأسرة من احترام وإخلاص وطاعة فإننا نكتفي بما أشرنا إليه منها عند حديثنا عن الأخلاق العامة.
السلطان
تنتقل السلطة إلى الملك عند الصينيين من السماء مباشرة، ولهذا يجب أن يكون فاضلاً، مستقيماً، حكيماً، بل قديساً منزهاً عن النقص، لأنه الابن الحقيقي للسماء؛ وليست البنوة المادية هي المعتبرة، بل إن الاصطفاء المعنوي هو كل شيء، وإن منحة السماء لا تتوقف على جاه ولا مولد، وفي هذا يقول (شو - كينج): (إن من يستضيء بالفضيلة الساطعة هو وحده الذي يمكن أن يسمو ولو كان ابن فلاح) وهذه القاعدة الأخلاقية تعلن في صراحة أن (الإمبراطور) إذا حاد عن الصراط السوي، فإن السماء تسلب منه السلطة؛ وهذا طبيعي لأن الملك مادام قد قطع برذيلته صلته الداخلية بالسماء، فيجب أن تزول صلته الخارجية بها. ولقد تجسمت هذه الفكرة حتى خصص (كونفيشيوس) فيما بعد في قانون العقوبات الذي أنشأه مادة لعقاب الفرد الذي يفقد صلته بالسماء.