وتسلسلها الطبيعي فعرض لنا صورة من الجدل الذي جد بعد قرن وربع قرن بين علماء الجبر أنفسهم إضافة إلى النقاش الحاد بينهم وبين العدلية والمعتزلة؛ فهذا ضرار لم يأخذ بنظرية صاحبه جهم كما هي، بل حاول الجمع بينها وبين لون من الاختيار فقال: إن الإنسان وإن يكن مجبراً على خلق الأفعال فإن هذا الجبر لا يتنافى على رأيه مع الاستطاعة على القيام بالعمل، أي أنه لا يتنافى وجود فاعلين على أن يكون أحدهما كالقوة البخارية والثاني كالآلة المحركة؛ وزاد أن هذه الاستطاعة سابقة على حدوث الفعل بخلاف جهم الذي سلب هذه الاستطاعة من أساسها، وادعى أن إسناد الأفعال للإنسان على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة كما يسند إليه لونه وحيويته، وكما يقال أمطرت السماء، وكسفت الشمس، وخسف القمر إلى غير ذلك
والذي يرمي إليه المرتضى حدوث بحث وموضوع جديد في علم الكلام هو بحث الاستطاعة ولم يعين وقت حدوثه كما هي عادته ولكن سنة التطور العقلي تقضي بأن حدوثه إذا لم يكن في حياة جهم أي قبل سنة ١٣١ فعقيب مقتله. على أن تعدد الآراء في بحث الاستطاعة مع تعقد النظريات يدل على طول زمن البحث فيها كما تقتضيه الأبحاث الفلسفية التي غمرت المجتمع بعد عهد المنصور أي بعد سنة ١٣٦. . . وعليه سوف لا يجد غرابة في بعد الزمن الذي حدث خلاله الرأي الثالث في الاستطاعة أو القول الثالث من أقاويل المجبرة كما اصطلح المرتضى وهو قبل سنة ١٨٩ أي قبل زمن وفاة يوسف بن خالد السمني صاحب هذا القول؛ على أنه إذا كان الرأيان أو القولان الأولان يقرران نفي الاستطاعة مطلقاً أو وجودها سابقة على الفعل فبمقتضى التطور لا مناص أن يكون القول الثالث هو حدوث الاستطاعة حتى الفعل حيث لا رابع لها. بقي علينا أن نعرف السبب الذي ساق المرتضى إلى نسبة هذا القول للزنادقة. أقول إن اقتران تحقق الاستطاعة مع الفعل صريح بأن هذا الاستطاعة أمر غير ذهني فلا يمكن أن يتصوره العقل مجرداً بل يتحقق خارجاً كما تتحقق الحرارة مع النار، وهذا عين مقالة الزنادقة القائلين بعدم وجود أمور ذهنية غير واقعة تحت الحواس، لذلك نسب المرتضى إليهم هذا القول
أما شخصية يوسف بن خالد السمني هذا وهل نسبته هذه إلى مذهب (السمنية) من مذاهب الهند القديمة فذلك ما لم أستطع تحقيقه الآن لانعدام المآخذ لدي