للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى في أتفه المواقف. . ولكن واأسفاه لقد ضاع جلة هذا الشعر الفحل. ولنترك الآن الأسف والحكم على شعره فليس ذلك بمجٍد شيئاً. . ولندرسه على ضوء ما تبقى من شعره ومن سيرته

والآن أيهما الشقي بصاحبه: أدعبل وهو يحمل خشبته - على حد تعبيره - فلا يجد من ينزو به الغيظ وتثور به الحمية فيصليه عليها، أم أهل عصره وهم يتجرعون غصص ثورته، ويصطلون بنار هجوه، يمدحهم مرة فيغدقون عليه النعم، ويتملقونه بالهبات، عله يفيء إلى الرضا، ولكنهم ما يعتمون - لا لشيء إلا أن دعبل أراد - أن يرو الرضا ينقلب سخطا، والمدح هجاءً مقذعاً، لا تشفع فيه عارفة، ولا ينهنهه الخوف من سلطان.

لم يترك وزيراً ترهب صولته، ولا قائدا يخشى فتكه، إلا شنع عليه حتى الخلفاء رقى إليهم، فأقض مضاجعهم، وبعث فيهم من الوجل أضعاف ما بعث فيه سلطانهم. تصافي والمأمون - عقب هجائه لأبيه - فلا أذن سمعت، ولا قصيدة اشتهرت حتى كان كما يقول تاريخ عصره أول داخل على الخليفة، وآخر من يترك مجلسه، ولكنها أيام. . . وإذا ببغداد تنشد قصيدة جديدة في هجو الخليفة من نظم دعبل

ويأخذ الرشيد بطبعه، وهو الخامل بعد لم تعرفه أندية الشعر ولا محافل بغداد، وتصله هبته قبل أن تراه عينه، ثم يموت الرشيد فيكون رثاؤه إياه. . .

قبران في طوس: خير الناس كلهم، ... وقبر شرهم هذا من العبر

لا ينفع الرجسُ من قرب الزكىِّ ولا ... على الزكىِّ بقرب الرجس من ضرر

والرجس هاهنا هو الرشيد. . .

ونعجز إن نحن لاحقناه، نذكر من تصدى لهجائهم، فحسبك أن تعلم أنه لم يسلم منه - كما يقولون - أقرباؤه ولا عشيرته الأدنون، فقد هجا خزاعة، وما خزاعة غير قبيلته التي أراد أن يكون فيها نسبه، فالبعض يهمس همساً خفياً - فرقاً منه - أنه دعي النسب في خزاعة. فأيهما الشقي؟ اهو بعصره، أم عصره به؟

أما هو فقد استمرأ طعم الشقاوة، بل نظن أنه كان يجد فيها لذته

ما أطول الدنيا وأعرضها ... وأدلني بمسالك الطرق

الحق أن أهل عصره هم الأشقياء به، هو بلاء صب عليهم في أرفه العصور وأحلاها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>