لقد طبع - أبو علي - وهذه كنيته - على الهجاء، وما هو بالهجاء، وإنما الحريق يأتي على العدو والصديق، فم علة هذا؟ أهي نفس فطرت على الشر بطبيعتها؟ أم أن هناك دوافع وحوافز ساقته إلى النقمة وقسرته على هذا التمرد؟ هذا ما نحاول جهدنا أن نتلمسه في سيرته وما نأسف - من أجله - على ضياع الكثير من شعره
وأول ما يتبادر للذهن انه قد يكون في عقيدته الدينية تعليل لنقمته على عصره، فقد كان شيعياً كما أسلفنا، أشاد بمدح العلويين فمن المحتمل أن يكون انساق مع عاطفته الدينية، فاخذ يشنع على العباسيين، الخلفاء والوزراء وكل من له صلة بهم؛ على أن هذا إن يصدق على شاعر فعلي غير دعبل، فالعصر العباسي شهد ثلاثة من الشعراء المتشيعين، دعبل، والسيد الحميري، وديك الجن، واوسطهم أخلصهم للعلويين، السيد الحميري هو الذي اتخذ مدح العلويين مجالاً لشعره، أما الاثنان الآخران فقد كان تشيعهم من النوع الحقيقي - إن صح هذا التعبير - انهمك الشاعر السوري في رثاء جاريته وردة، وفي البكاء والحنين على جوار أخر. . . أما دعبل فقد وجد في الهجاء متسعاً يلهيه عن التشيع. . . لم تعرف له في العلويين قصيدة عبقرية خلا واحدة
مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ ... ومنزلُ وحيٍ مقفر العرصات
صحيح أنها صادقة اللوعة، تنم عن إخلاص، وهو شيء لا ننكره، وإنما الذي نذهب إليه وتؤيده سيرته نفسها أن يكون مصدر نقمته على الذين هجاهم نظرته إليهم كمغتصبين أو كأعوان لمغتصبي حق أبناء علي، وإلا فما يمنعه أن يلمح إلى أفضليتهم في خلال هجائه للعباسيين على الأقل؟ مرة واحدة ذكرهم في هجو الرشيد
وليس حيٌ من الأحياء نعرفه ... من ذي يمان من بدو ومن حضر
إلا وهم شركاءٌ في دمائهم ... كما تشارك أيسارٌ على جزر
وليس يرد على هذا المأمون جد في طلبه لهذه القصيدة فغير دعبل يستشعر الخوف، أو يتدبر العواقب. أليس هو القائل للمأمون نفسه:
إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واسترفعوك من الحضيض الأوهد