مشت على شاطئ غرامها الأول فثارت في فؤادها الذكريات وأرسلت عينيها تفتش بين طيات الموج الجياش عن تلك الصورة الحبيبة الرائعة، التي تطفو هناك. . . هناك فوق ذاك الثبج كحلم جميل. . . صورة تيتون وهو يصطرع مع اليم فيصرعه، ويغالب اللجة فينتصر عليها. . . ثم جلست على صخرة مشرفة على البحر الممتلئ بالذكريات. . . وطفقت تبكي!
لا ريب أنها عنفت نفسها على ما صنعت أمس مع تيتون! ما ذنبه؟ ما جريرته؟ بأي حق تنعى عليه شيبته ولا يد له فيها؟ ولماذا تخزه بقوارص الكلام لأن جبينه تغضن وأمتلأ بأسارير الكبر؟ ولماذا تعيب عليه عينيه الغائرتين المنطفئتين؟ ولم تذكره بشبابه وتتهكم عليه فتقول له إنه يبحث عنه بعكازة في التراب؟
لا ريب أنها كانت قاسية، ولا ريب أنها لامت نفسها، لأن كل تلك الأفكار ترددت في أعماقها؛ وقد سألت روحها المتألمة ألف سؤال فلم تستطع أن تراها محقة فيما صنعت. . .
وعادت أورورا أدراجها إلى تيتون البائس الهرم فهشت له وبشت، وراحت تملق له، وتتحايل على قلبها ترجو لو تستطيع ن تخدعه فيسيغ هذه الكومة المتراكمة من القبح والشوه والدمامة؛ قبعت في ركن سحيق تحمل أوضار السنين وتنوء بكارثات الليالي
ولبثت تتغفل نفسها بضع سنين؛ ولكن للآلهة كما للبشر قوة محدودة من الاحتمال، ومدى غير واسع من الصبر؛ وقد جاهدت أورورا نفسها مجاهدة طويلة شاقة، عادت بعدها إلى التبرم بتيتون، والضيق بشيخوخته الثقيلة، والنقمة على تلك اللحظة الأسيفة التي لقيته فيها، ونوبة الجنون التي جعلتها تتورط لدى سيد الأولمب فتسأله أن يهب حبيبها نعمة الخلود
- وفيم كل هذا الحزن يا أختاه؟
- وما العمل للخلاص منه؟
- أنت المخطئة، ذلك لا ريب فيه
- مخطئة! وكيف؟ هل كنت علمدة أن أقصد إلى الهلسبنت لأراه ثمة؟
- أبداً وليس هذا ما عنيت
- إذن كيف كنت مخطئة؟
لأنك سألت سيد الأولمب أن يهب حبيبك الخلود، ونسيت أن تسأليه أن يديم له شبابه،