العذارى. . . بل حال لونها الأسود الفاحم، ونبت فيها قتاد شائك تنفشه الرياح على جبين متغضن بآسر ذي أسارير، يبعث الرهبة في أفئدة العفاريت!
- تيتون!
- نعم يا حبيبتي!
- لا! لا! لا تناديني بهذا النداء.
- ولمه؟
- لم يعد يصلح. . . لقد اشتعل رأسك شيباً، وتغضن جبينك، وترهل خداك وبرزت عظامهما، وغارت عيناك جداً وانطفأ فيهما بريق الشباب الغض، والصبي الغريض. وعضلاتك لقد عصرتها السنون يا تيتون! وي! مالك تنحني هكذا؟ هل ضاعت منك درة ثمينة، فأنت تبحث في أديم الأرض بعكازك هذا الغليظ؟ آه! بل ضاع منك شبابك أيها الشيخ الهرم فأنت تبحث عنه في هذا الثرى!
- حسبك يا أورورا. . . حسبك يا ربة!
- (لا، أبداً، ليس حسبي، أغرب عني أيها المسخ الشائه ظل في عقر الدار حتى أرتد إليك!!
وانطلقت ربة الفجر الوردية غاضبة صاخبة، وذهبت تطوي الفيافي وتهيم في الرحب، حتى كانت من غير قصد عند شاطئ الهسبنت، حيث لقيت لأول مرة حبيبها الجميل الشاب تيتون أبن بريام ملك طروادة، منذ نصف قرن من الزمان!! أواه تيتون!! يا للذكريات الحلوة التي تطيف بالقلب كما تطيف أطيب الأحلام بعيني نائم!! هنا، على رمال ذلك الشاطئ الهادئ، وبين طيات ذلك الموج الذي يبدو كأنه لم يتغير، رأت أورورا الوردية تيتون البارع، وشعره الأسود الفاحم يتهدل على جبينه الوضاح، ثم لا يلبث أن يستوي حين تمر عليه أمشاط الأمواج. وهنا. . . ثارت عاصفة الغرام القديم في قلب ربة الفجر الوردية لأول مرة، وشب لظى الحب ملء جوانحها. . . وفوق هذه الرمال السافيات تكتشف أورورا لتيتون الفتى لتخلب لبه وتملك عليه قلبه، ولكنها ما استطاعت إلى ذلك من سبيل، حتى تقلبت تحت قدميه، وتبرجت بين يديه، فرضى ما عرضت عليه، وانطلق معها إلى أولمب! فما لها اليوم غاضبة على تيتون؟