للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يني قلبها يخفق بالحب وينشده، ويهيم بالجمال ويفتقده، ونفسها عاشقة وامقة كذلك، وإن أماني الغرام تجيش في صدرها دواماً، فهي إن خلت إلى حبيبها تيتون ألزمته فنوناً من العزل، وضروباً من النجوى، إذا صبر لها الشباب، واحتملها الصبا، فليس المشيب بصابر لشيء منها، ولا محتمل القليل الأقل من تكاليفها، ولا له جلد على أفانينها

- ما هذه الشعرة البيضاء التي بزغت في سواد شعرك كما تبزغ نجمة الفجر في أخريات الليل يا حبيبي؟

- (أية شعرة بيضاء يا أورورا؟ ربما كانت نذير المشيب يا حبيبتي!

- (المشيب؟! كلمة غريبة لم اسمعها إلا منك! ماذا تعني؟

- آه! أنتم معشر الآلهة لا تعرفون المشيب، أما نحن، معشر البشر، فسرعان ما يذهب صبانا، ويولي شبابنا، فنشيخ ونهرم، وتصبح لنا رؤوس مجللة بشعر أبيض يشبه إبر الشوك، يقول الشعراء إنه نور قبيح يسعى بين أيدي الكهول ليشق لهم ظلام القبور!!

- يا للهول؟ إن هذا الضرب من خيال الشعراء يخيفني!

- اطمئني! أنا باق إلى جنبك آخر الدهر. أليس قد وهبني الخلود سيد الأولمب؟

- بلى! ولكن. . .

- لكن ماذا؟

- هذه الشعرة البيضاء التي قال فيها شعراؤكم ما قالوا؟

- الشعرة البيضاء؟ ما لها هذه الشعرة البيضاء؟ ليست شيئاً ما دام سيد الأولمب قد وهبني الخلود؛ إن الذي أفزع الشعراء من الشيب هو ما ينذر به غروب شمس الحياة!

- ولكن الشعرة البيضاء تنذر بأكثر من هذا؟

- آه! قد فهمت ما يوسوس في صدرك؟ ألم أعد جميلا يا أورورا؟

- بل أنت ما تزال جميلا يا حبيبي.

- إذن لا عليك من هذه الشعرة البيضاء.

وتمتعا سنوات أخريات؛ ولكن الشعرة البيضاء أصبحت شعرات وشعرات، حتى غلب نور المشيب حلك الشباب؛ ولم تعد لطرة تيتون المصفوفة تلك النضارة وهذه اللمعة، وذلك السحر الذي كان يرف مع النسيم على جبينه المشرق الناصع فيثير الغرام في قلوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>