تأكلنا أول دولة تطمع فينا وتتاح لها فرصة العدوان علينا، فإذا آثرنا هذا المصير الزري فليس علينا حينئذ إلا أن نقعد منتظرين من يجيء ليستولي علينا؛ والثاني نوطن أنفسنا على الذود الواجب عن حقيقتنا والدفاع عن حريتنا واستقلالنا ورد كل عدوان عليهما، فإذا كان هذا هكذا فالأمر بين، وعلينا إذن أن نعد العدة لهذا الدفاع وأن نتخذ له كل أهبة يفرضها التطور الحديث في الحرب ووسائلها وأساليبها وآلاتها؛ ولابد حينئذ من تهيئة الأمة لمطالب هذه الحرب المخوفة على نحو يكفل للدولة الانتفاع التام بقوى الرجال والنساء فيها جميعاً، فللنساء ما يستطعن أن يحسن من الأعمال، ولا خفاء بهذه فإنها معروفة، وعلى الرجال أن يكون كل واحد منهم مستعداً لحمل السلاح والسير إلى حيث تحتاج إليه الدولة لعمل من أعمال الدفاع القومي؛ ولا يتسنى هذا إلا إذا دربنا الفتيان من الآن في المدارس والجامعة على إتقان ما عسى أن يطالبوا به إذا دعاهم داعي الوطن
وقد يتوهم البعض أن هذه الدعوة التي أرسلها لا تخلو من إسراف وشطط ومبالغة في تصور الأخطار وتجسيمها والتهويل بها، ولكني أعتقد أن الأمر على خلاف ذلك وأن الحال على نقيضه وأعني بذلك أننا أسرفنا في الاطمئنان وبالغنا في الإخلاد إلى دواعي الأمن والثقة والاستراحة إلى انتفاء المخاوف؛ وقد آن لنا جداً أن ندير عيوننا فيما حولنا، وأن نتدبر دلالة ما نرى، وأن نمد بصرنا إلى أبعد من يومنا الحاضر. والمثل يقول:(من مأمنه يؤتى الحذر) فكيف بالذي لا يحذر شيئاً، ولا يتقي أمراً؟ وهب أنه لا مطمع فينا فإن خلو بلادنا من وسائل الدفاع الكافي، وضآلة عدتنا يغريان بنا الطامعين. ومازال الضعف إغراء كافياً للقوى بالوثب. ولنحن غير أهل للاستقلال إذا لم نحسن الحرص عليه والضن به ولم نعد العدة لطول الذود عنه والكفاح دونه. وقد يجيء زمن تبطل فيه الحروب وتعيش فيه الأمم إخواناً متآزرين متعاونين؛ غير أنه إلى أن يجيء هذا الوقت السعيد لا يسع أمة تعرف لحقها في الحياة قيمته وتدرك ما تقتضيه المحافظة عليه إلا أن تستعد للحرب دونه. وعسير جداً أن تحيا أمة عزلاء في أمان من المخاوف بين أمم مدججة شاكية في البر والبحر والهواء