مُنقلَبٍ ينقلبون). وأما ما صدر من قولك في قطع رأسي، وقلعك لقلاعي من الجبال الرواسي، فتلك أماني كاذبة، وخيالات غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض، كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض. كم بين قوي وضعيف، ودني وشريف! وإن عدنا إلى الظواهر والمحسوسات، وعدلنا عن البواطن والمعقولات، فلنا أسوة برسول الله في قوله: ما أوذي نبي كما أوذيت. ولقد علمتم ما جرى على عترته، وأهل بيته وشيعته، والحال ما حال، والأمر مازال، ولله الحمد في الأولى والآخرة، إذ نحن مظلومون لا ظالمون، ومغصوبون لا غاصبون (وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا) ولقد علمتم ظاهر حالنا، وكيفية رجالنا، وما يتمنونه من الفوت، ويتقربون به إلى حياض الموت. قل (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوْه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) وفي أمثال العامة السائرة: (أوَ للبط، تهددين بالشط) فهيئ للبلايا جلباباً، وتدرع للرزايا أثواباً، فلأظهرَنَّ عليك منك، ولأفنينهم فيك عنك. . . فتكون كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه (وما ذلك على الله بعزيز) فإذا وقفت على كتابنا هذا فكن لأمرنا بالمرصاد، وأقرأ أول (النحل) وآخر (صاد)
الخبر
وفي سنة (٥٨٨) توفي راشد الدين أبو الحسن سنان بن سلمان مقدم الإسماعيلية، وصاحب الدعوة بقلاع الشام. وأصله من البصرة، قدم إلى الشام في أيام نور الدين، وأقام في القلاع ثلاثين سنة، وجرت له مع السلطان صلاح الدين وقائع وقصص، ولم يعط طاعة قط، وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج، وكان (سنان) قد قرأ كتب الفلسفة والجدل
قال المنتجب: أرسلني السلطان إلى سنان مقدم الإسماعيلية ومعي القطب النيسابوري، وأرسل معنا (تخويفاً وتهديداً) فلم يجبه بل كتب على طرة كتاب السلطان: (الأبيات في الرسالة المتقدمة) ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة (هي تلك الرسالة) مضمونها عدم الخوف والطاعة، فلما يئس صلاح الدين منه جنح إلى صلحه، ودخل في مرضاته
قال اليونيني في تاريخه: إن سناناً سير رسولا وأمره ألا يؤدي رسالته إلا خلوة، ففتشه السلطان صلاح الدين فلم يجد معه ما يخافه فأخلى له المجلس إلا نفراً يسيراً فامتنع من أداء الرسالة حتى يخرجوا فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين فقال: هات رسالتك، فقال: