الضعيفة في عمى عن الحقائق، فريسة له، عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام هجماته، وميداناً لتحقيق مطامعه. والشعوب الحية العزيزة، التي تشعر بالكرامة، وتأبى الضيم والمذلة على استعداد دائم للدفاع عن نفسها، ورد اعتداء المعتدي، فهي تأخذ أفرادها بالمران على الأعمال الحربية، تقوي أجسامهم، وتربي العزة في نفوسهم، وتحبب إليهم التضحية بالنفس والنفيس في سبيل دفع الاعتداء عن أمتهم، ورد المهانة وسلامة الكرامة، والاحتفاظ بالحرية. فالروح العسكرية، وتربية الشعب تربية عسكرية أمر لابد منه لكل أمة تريد أن تعيش مرفوعة الرأس، عزيزة الجانب بين الأمم؛ أمر لابد منه لأشعار أفراد الشعب بمعنى العزة والكرامة، وحتى يؤمنوا بأن الموت العزيز خير من الحياة الذليلة
هكذا صنعت وتصنع الأمم الحية الكريمة، وهكذا كان شأن الأمة الإسلامية في مبدئها، وفي العصر الذي كان المسلمون يعملون فيه بتعاليم الإسلام الصحيحة قبل أن تختلط بالمبادئ الدخيلة التي أعطيت صبغة الإسلام وهي ليست منه في شيء. فكما تأمر مبادئ الإسلام بتعليم النشء وتثقيفه، فهي تأمر أيضاً بأخذه بأنواع الرياضة، وتدريبه على فنون الحرب. وقد جاء في الحديث الشريف (حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي) وفي التعليق على حديث (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي) يقول صاحب نيل الأوطار: وكرر ذلك للترغيب في تعلمه (الرمي) وإعداد آلاته؛ وفيه دليل على مشروعية الاشتغال بتعليم آلات الجهاد، والتمرن فيها، والعناية في إعدادها، ليتمرن بذلك على الجهاد ويتدرب فيه، ويروض أعضاءه
وليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة، وهو المثل الأعلى للرجولة الكاملة، فلقد ساهم عليه السلام بنفسه في كثير من أنواع الرياضة، والتمرينات الحربية، فسابق في العدو، ورمى، وصارع؛ ولقد شاهد اللعب بالحراب، واشترك في سباق الخيل. كان يفعل كل هذا، ويأمر به، ويشجع عليه أفراد أمته، حتى النساء منهم، فلقد كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها جريا على الأقدام، فمرة تسبقه ومرة يسبقها. أرأيت كيف أن هذا لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن؟! هذا هو حكم الإسلام في الرياضة البدنية؛ وهذا هو حكم الإسلام في الخدمة العسكرية، وتعليم أفراد الأمة فنون الحرب، وأخذهم بآداب الجندية
ولم تزل الشعوب قوية عزيزة الجانب حتى أخذت روح الجندية تضعف في نفوس أفرادها،