وأخذ استعدادهم للدفاع عن حمامهم يضعف ويقل؛ فأخذ العدو يهاجم بما لا حول لهم به ولا قوة، حتى وصلت بهم الحال إلى ما هم عليه من الضعف، وحتى استعبدهم الغير؛ وما فتئت الدول المستعمرة في العصور الأخيرة تعمل على قتل روح الجندية، روح القوة والرجولة في الأمم الإسلامية المغلوبة على أمرها، لتطول مدة حكمها لها، ولتأمن جانبهم في الدفاع عن أنفسهم. عملت على هذا، ووضعت لتنفيذه خططاً مدبرة محكمة، كان من أشدها خطراً عندنا في مصر قانون البدل والإعفاء من الخدمة العسكرية؛ إذ ظن المعفون خطأ أن في ذلك ميزة لهم وشرفاً اكتسبوه؛ وكانت نتيجة هذا الأجراء المدبر أن انحصرت الخدمة العسكرية في أفراد الطبقة الفقيرة الجاهلة من الشعب؛ وعومل هؤلاء أثناء تأدية الخدمة من رؤسائهم معاملة إذلال وقهر، غرست في نفوسهم البغض لما هم فيه، وقتلت فيهم الروح المعنوية التي لابد لها منها لانتصار الجنود إذا اشتدت الخطوب، ووقع القتال؛ هذه الروح المعنوية التي جعلت العشرين من جند النبي وأصحابه يغلبون مائتين، والمائة يغلبون ألفين
هذه العوامل وغيرها ولدت في نفوس الشعب عندنا بغض الخدمة العسكرية وتحقيرها، حينما تفخر الشعوب الحية بها وتعتز؛ وبهذا فقد شبابنا كثيراً من معاني القوة والرجولة. ومن عجائب الدهر أن تجعل الخدمة العسكرية عقوبة للطالب الأزهري يعاقب بها إذا رأى ولاة الأمور خروجه عن النظام، وقرروا إنزال العقاب به؛ فهم حينئذ يمحون اسماه من سجلات الطلبة الأزهريين ويبلغون الجهات المختصة لتحرمه من امتياز الإعفاء من الخدمة، وتعاقبه فتجعله يؤدي الخدمة العسكرية - كما وقع ذلك في بعض عصور الأزهر الغابرة -
ألا إن هذا عكس الحقائق، ووضع للأمور في غير نصابها؛ هذه الروح يجب أن تزول، وأن يحل محلها روح الشعور بأن الجندية شرف لا عقوبة
الواجب على أولي الأمر بعد أن حصلنا على معاهدة الاستقلال، وأطلقت يدنا من عقالها في كثير من الشئون أن يصلحوا ما أفسده الدهر من أمر الخدمة العسكرية في بلادنا. وإذا أراد أن يسلم لنا شرفنا فلنعمل على تربية روح العزة والكرامة، ولنتعهد روح الرجولة بما ينميها في نفوس الأفراد، فيجب أن تكون الخدمة العسكرية عامة إجبارية على كل من