من جمالها وروعتها، وهو في النهاية لا يعدو أن يكون كتاب تخريف وسمر للخواص وأرباب البيان على الرغم من هذه الطنطنة التي ملأت صدر الكتاب. ولاشك أن ابن المقفع كان يفهم هذا فأباح لنفسه بعض التصرف في الأصل فرفع بذلك عن قلمه كثيراً من الحرج والتهيب
أما ما يقال عن جهل مؤرخي الهنود وعلماء أوربا بدبشليم وبيدبا، وبكتاب له هذا الاسم والتبويب في اللسان الهندي، فلا يمكن أن يتخذ منه دليل قاطع على وضع ابن المقفع للكتاب، فإن صلاحيته للقول بهذا أضعف من صلاحيته للقول بأن الفرس هم وضعة الكتاب، فقد نقل هذا الرأي أحد مؤرخي القرن الرابع الهجري؛ قال محمد بن إسحاق النديم:(فأما كتاب كليلة ودمنة فقد أختلف في أمره، فقيل عملته الهند، وقيل عملته ملوك الإسكانية، ونحلته الهند، وقيل عملته الفرس ونحلته الهند، وقال قوم أن الذي عمله بزرجمهر الحكيم) الفارسي. على حين لم أعثر في الكثير الذي قرأته من المراجع القديمة على من يصرح بأن ابن المقفع هو واضع الكتاب
وإن هذا التأييد التاريخي للقول الثاني مع ما ذكروا من أن المراجع الهندية والأوربية تجهل وجود كتاب كليلة ودمنة في السنكسريتية، كما تجهل وجود ملك يسمى دبشليم ليجعلني أميل إلى الأخذ به وترجيحه على ما سواه. ولن يضعف منه تاريخ المسعودي لدبشليم الملك ضمن من ذكر من ملوك الهند الأقدمين وقوله أنه الواضع لكتاب كليل ودمنة، فإن جل ما كتبه عن هذه العصور القديمة لا يخرج عن دائرة الجمع الذي لا يقوم على أساس صحيح من التحقيق والتحري، ويكفي لصدك عن التعويل على ما كتب أن تعرف أنه جعل ملك (دستلم) أو (دبشليم) مائة وعشرين سنة؛ وأن ما ذكره بعد ذلك عنه وعن (فور) سابقه لا يتجاوز ما ذكر في مقدمات كليلة ودمنة؛ الأمر الذي يحملنا على الظن بأن المسعودي ما عرف هذين الاسمين إلا عن طريق هذا الكتاب
وليس ببعيد على الفرس وضع كتاب كليلة ودمنه وإلباسه هذا الثوب الهندي، فهم جيران الهنود وإخوانهم في جنسيتهم الآرية يشركونهم في ذكائهم وتعقلهم وخيالهم (وهم أول من صنف الخرافات وجعل لها كتاباً وأودعها الخزائن، وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان)
ولا محل للاعتراض هنا بأن الكتاب ولو كان من عمل الفرس لتضمن شيئاً من المجوسية