والمذاهب الفارسية الأخرى؛ لأنه لم يوضع لتدوين عقيدة أو إذاعة مذهب ديني خاص؛ وهذا كتاب (مزدك) الذي نقله عن الفارسية ابن المقفع وأبان بن عبد الحميد، (فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أن الكتاب يبحث عن مذهب مزدك، ولكن الأستاذ (براون) ذكر في كتابه (تاريخ آداب الفرس) نقلا عن (نولدكي): أنه كتاب أدب وضع للتسلية، ويعد في مصاف كتاب كليلة ودمنة ولا تضر قراءته مسلماً)
على أننا لو سلمنا باحتواء الأصل على شيء من هذه المذاهب الفارسية، فإننا نرجع نقاء الترجمة العربية منها إلى ما ذكرنا من تصرف ابن المقفع، ولعل الذي حمله على هذه التصفية عقيدته الإسلامية الجديدة أو خوفه من تشكك المنصور فيه إن سمحنا لأنفسنا بالطعن في صدق إسلامه
وإن مما يكاد يحملنا على الجزم بأن ابن المقفع ناقل لكليلة ودمنة لا واضع له ما ذكره صاحب الفهرس من أن جماعة من النقلة عن اللسان الفارسي - وفيهم من عاصر ابن المقفع أو قارب وقته - قاموا بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية. قال العلامة جورجي زيدان:(يظهر أن بعض الأدباء حسد ابن المقفع على شهرة الكتاب فأعادوا نقله، واشتغل بعضهم بنظمه، وتصدى آخرون لمعارضته). ولا غير هذا يفسر لنا سر الاختلاف الذي ذكره ابن النديم في عدد أبواب الكتاب، فقد قال:(هو سبعة عشر باباً، وقيل ثمانية عشر، ورأيت أنا في نسخة زيادة بابين)
وكان أقدم من نقل الكتاب إلى العربية نظماً أبو سهل الفضل بن نوبخت الفارسي من خدم المنصور ومن العاملين في خزانة الحكمة لهارون الرشيد (وقد كان معوله في علمه على كتب الفرس) ثم عبد الله بن هلال الأهوازي، نقله ليحيى بن خالد البرمكي في خلافة المهدي سنة ١٦٥ هجرية، ثم أبان بن عبد الحميد اللاحقي، قال محمد بن اسحق (وقد نقل من كتب الفرس وغيرها ما أنا ذاكره: كتاب كليلة ودمنة، كتاب السندباد، كتاب مزدك. . .) وقد كان أبان هذا (صديقاً للبراكمة، متصلا بهم اشد اتصال. . . وكان أديبهم الرسمي) ومن المختصين بالرشيد. ويظهر أن نقله الشعري - على جدته - كان على جانب من الجودة فقد (أعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف دينار وأعطاه الفضل خمسة آلاف دينار، ولم يعطه جعفر شيئاً وقال: ألا يكفيك أن أحفظه فأكون روايتك؟!)