بيتاً في مواطن مختلفة من الباب ذكر فيها طرفاً من الحديث الذي دار بين كليلة ودمنة حول التقرب من الملك ثم كيد دمنة للثور عند الأسد؛ ثم تحدث عن المال وما فيه من عز وجمال، وامتدح العقل ومشورة غير أهل التهمة
ولكي يتضح بعد المنظومة عن ترجمة ابن المقفع نلفت النظر إلى أن حديث المال الذي ذكره أبان في باب الأسد والثور جعله عبد الله في باب الحمامة المطوقة. وإليك الأبيات التي ذكرها في هذا الموضوع لتتحقق بعد الموازنة من صدق ما ارتأينا من المباينة بين الترجمتين:
الأهل والأخوان والأعوان ... عند ذوي الأموال حيث كانوا
والمال هادي الرأي والمروّه ... وهو على كل الأمور قوه
والمال فيه العز والجمال ... والذل حيث لا يكون المال
وربما دعا الفقيرَ فقرهُ ... إلى التي يُحبط فيها أجرهُ
فيخسر الدين كما كان خسر ... دنياه والخسران ما لا ينجبر
وليس من شيء يكون مدحا ... لذي الغنى إلا يكون بَرْحا
على الفقير ويكون ذما ... كذاك يدعى وبه يسمى
فإن يكن نجداً يقولوا أهوج ... كذاك عند الحرب لا يعرج
وهْو إذا كان جواداً سيّداً ... سُمي للفقر مُضيعاً مفسدا
أويك ذا حلم يُقل ضعيف ... أويك بساماً يُقل سخيف
وقد يظن كثير من الأدباء أن ابن المقفع عرف كيف يخلد اسمه باختياره ترجمة كتاب كليلة ودمنة أو ادعائه ذلك؛ ولكن الذي لا يتطرق إليه الاحتمال عندي أن كتاب كليلة ودمنة إنما كتب له الخلود، وبقي على توالي الأحداث والأيام لأن عبد الله ابن المقفع تصدى لترجمته فألبسه هذا الثوب الرائق من بلاغته وتهذيبه ومعرفته. ولقد يدهش أصحاب ذلك الظن إذا قلنا لهم إن الكتاب لم يكن له في الفارسية من الخطر ما صار له بعد نقله إلى العربية على يد ابن المقفع، ولكن دهشهم سيتبدد متى عرفوا أن الفرس أنفسهم حينما رأوا الكتاب في صورته الجديدة المنسجمة استولى عليهم الإعجاب، وأخذوا ببلاغته فنقلوه إلى الفارسية مرة أخرى، وأهملوا أصوله التي بين أيديهم فأذهبا النسيان؛ حتى لقد ذكر ابن النديم أنهم نقلوه