الليل جحيما حينما يقبل فيفصل بينهما بظلامه، ويجمع بين روحيهما بسهده ودموعه وطويل أنينه، وكيف يكون فردوساً خالداً حينما يجمع بينهما في يقظة أو منام
ولم يقو بيرام على عذاب البعد، فاتفق وتسبيه على أن يكلم أباه ليكلم أباها في الخطبة، ولكن الوالد أبى واستكبر، ورفض أن تكون هذه الفتاة التي هي مطمح أبصار شبان المدينة زوجة لولده، وكذلك أبى والد الفتاة؛ ثم شجر الخلاف واتسع، وكثرت شياطينه، وأحيا عداوات قديمة، فتدابر القوم وتناكروا ولكن ما في قلبي الحبيبين ظل على ما كان عليه؛ بل ألهب البعد الذي جرت إليه الخصومة أوار حبهما، فازداد هياماً، وذابا غراماً، وكانت عداوة أهليهما عليهما برداً وسلاماً
ولم يعد يفكر إلا فيها، ولم تعد تفكر إلا فيه، وراح ينظم الشعر يتغنى به برحاءه، ويرسل موسيقاه يكلم بها السماء عسى أن ترق له آلهتها فترحمه مما يقاسي. . . وراحت هي تبكي وتتكلم بلغة الدموع إلى نفسها الملتاعة، وترسل آهاتها في صميم الليل تردد بين النجوم الخفاقة الكلمى تتوسل إلى أرباب الرحمة والحب أن تدرك بلطفها ضعف الحبيبين المظلومين
وتصدعت السماء، وانهمرت شآبيب الرحمة، وانهل فيض الحنان، وأمرت الآلهة فزلزلت الأرض زلزالها. . . وكانت الغرفة التي ينام فيها بيرام ملاصقة للغرفة التي تنام فيها حبيبته تسبيه، وكان يفصلهما جدار مشترك بين المنزلين المختصمين، فأحدث الزلزال في هذا الجدار صدعاً صغيراً كالشعرة، فوصل هواء الغرفتين، وحمل كلام الحبيبين، وأخذت موسيقى بيرام وغناؤه ينسابان إلى غرفة تسبيه، وأخذ بكاء تسبيه وآهاتها تنساب في غرفة بيرام؛ وأخذت النجوى الحلوة، والشكوى الجميلة، وغزل الكلام، وحنين القلوب، ينتقل في بروج هذا الجبل الشق كأنها كواكب السعد تحدوها الآهات الملتهبة، وتذهب بها القبلات الحارة، ترف بأجنحة من أثير من فم إلى فم. . .