وهدأ روع تسبيه، فبرزت من مكمنها في أصل الدوحة، لنرى من أين كان يتردد في أذنيها هذا النداء الحبيب. وكان شبح اللبؤة ما يزال يتمثل لها فيفزعها في الفينة بعد الفينة، ولكنها كانت تسير بخطى وئيدة، لأنها ما شكت مطلقاً في أن النداء لحبيبها، ولأن الصوت الفضي الذي كان يمتزج بأضواء القمر فيغمر أذنيها وقلبها، كان ما يزال يداعب أذنيها الصغيرتين. . . ثم بدا لها أن تحث الخطى حتى تنبه بيرام إلى وجود لبؤة في هذا السهل الجميل جعلته كالفلاة. . . فأسرعت، وأسرعت!!
- من هذا المستلقي على حفاف النبع؟ هو من غير شك!
ثم أسرعت أكثر من ذي قبل
- بيرام؟ ما هذا؟ السيف في صدرك؟ لِمَهْ؟ حبيبي! رد علي! كلم تسبيه! هاأنا ذي! لم قتلت نفسك يا بيرام؟ آه! هذا الخمار الأبيض! وَيْ! إنه ملوث بالدم؟ عاثت فيه اللبؤة الملعونة!
- تس. . . سبيه!
وأرسل القتيل هذا الاسم المحبب وحشرجة الموت تعتلج في صدره، ثم فتح عينه قليلاً فرأى فتاته تبكي فوق رأسه، فتبسم. . . ثم مات!
- بيرام! لا! لا تمت! لابد أن تعيش من أجلي!
ولكنه مات برغم هذه الأماني
- إذن أنا التي قتلتك يا حبيبي؟ أشهدي يا توتتنا البيضاء!
ثم رفعت بصرها إلى فوق، ولكنها بدلاً من أن ترى الثمر الشهي الأبيض، رأت ثمراً أحمر يقطر دماً قانياً
- أوه! رويت من دمه أيتها الشجرة فضرجت ثمرك من حبنا وسعادتنا؟! تعالوا يا أهل! تعالوا أيها القساة! فتشوا عن الرحمة في قلوبكم المتحجرة اذرفوا دموعكم علينا. . احذوا أن تفرقوا بعد اليوم بيننا، فقد ربطت بين جسومنا المنايا. . . لقد أبيتم في أن نجتمع في الحياة فلا تفرقوا بيننا بعد الموت. . . وداعاً أيها القمر. . . وداعاً فقد ظلمناك!)
ثم جذبت السيف من صدر حبيبها وأغمدته في صدرها بعد أن قبلت بيرام الميت قبلة