فارتوت على مهل، وعادت أدراجها نحو الدغل الذي تركت فيه فريستها لتأتي على بقاياها
أما الفتاة فقد ظلت تجري حتى بلغت شجرة ضخمة وجدت في أصلها فراغاً فاختبأت فيه، وراحت تلهث من الذعر والتعب، وتتمنى أن ألا ترتد اللبؤة إليها. . . وقد أيقنت أن ديانا، إلهة القمر، قد سمعتها حين عابت على البدر عيه وبكمه، فساقت إليها هذا الوحش في هذا الليل
ولم يمض طويلاً على تلك الأحداث حتى أقبل بيرام وفي نفسه لهفة، وبقلبه قلق، فقصد إلى مقبرة نينوس فلم يجد عندها شيئاً؛ ووقف قليلاً يبحث عن تسبيه في كل شيء! في شجيرات الورد وفسائل الزنبق، وفي العشب الخائف المذعور حول المقبرة؛ وتولاه طائف من الوجد والذهول فراح يبحث في السحابة الرقيقة البيضاء التي انتشرت على وجه القمر في هذه اللحظة، مشبهة خمار تسبيه على وجهها الرقيق الناحل. . . ثم ذكره ميعاده عند النبع القريب تحت التوتة البيضاء، فانثنى ميمما شطرها. . .
(يا للهول! ويا للفزع الأكبر!! ما هذا؟ خمار حريري أبيض؟ لمن هذا الخمار يا ترى؟ أواه! إنه خمارها لا ريب! لقد شهدتها تلتفع به مراراً! يا أرباب السماء! ما هذا الدم؟ وا أسفاه عليك يا تسبيه! لقد قتلتك الوحوش فلن أراك بعد اليوم! أنا السبب يا حبيبتي! لقد جررت عليك هذا باقتراحي الضال! ألا ليت أمي لم تلدني! أي وحش ضار اغتذى بك يا تسبيه؟ أيها القمر القبيح الأبكم لم أغريتنا بهذا اللقاء؟ أنت تستر الآن حياء وخجلا من فعلتك التي فعلت، وكنت بالأمس سافراً متبرجا! أغرب أيها الأصفر كصفرة الموت فلا جمال فيك! رد علي موسيقاي وأغاني فأنت جبس لئيم لا تستأهل منها شيئاً! هات كل ما عندك لي هات! هات دموعي وأشجاني وآهاتي! هات سهدي وعبادتي ومناجاتي! قتلت تسبيه تحت سمعك وبصرك ما أقساك يا صاحب الليالي المواضي! أوه. . . ولكن. . . لا. . . أنا الذي قتلتها، لا ذنب لك يا قمر. . . إني أستغفرك؛ أبق كل ذكرياتي عندك، فلا أمن عليها إلا أنت! أما أنا. . . فهلم يا حسام أسكن هنا. . . في حبة القلب. . . أروَ من هذا الدم الدافئ فلا أمل لصاحبك في الحياة بعد اليوم. . .)
وألقى الفتى المسكين نظرة على كل شيء حوله، لا حرصاً على الحياة المرة؛ ولكن لينظر إلى كل ما نظرت إليه تسبيه قبل أن يأكلها الوحش، وليتزود من الأثر الذي تركته في