والقلوب والمفاتن جمع كل جميل بارع أخاذ، حتى بلغنا دمّر:
والحور في دمّر أو حول هامتها ... حور تكشف عن ساق وولدان
فوقفنا نمتع الأنظار بحوْرِها وحورها، وشموسها وبدورها؛ وأنت مهما عرفت دمشق لا تزال ترى فيها أبداً جمالا تجهله ولا تعرفه، ففي كل يوم جمال جديد، وفي كل مكان فتنة جديدة، فلا تدري أين تقف، وماذا تنظر، وأيا تفضل؟ أوادي الشاذروان أم جنائن الغوطة، أم جبال بلودان، أم العين الخضراء، أم سهول الزبداني، أم العيون التي لا يحصيها عدد؟. . .
سقى الله ما تحوي دمشق وحياها ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كل قلب ويهواها
لبسنا بها عيشاً رقيقاً رداؤه ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
سلام على تلك المعاهد إنها ... محط صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياماً تقضت بقربها ... فما كان أحلاها لديها وأمراها
خلينا الهامة وجمرايا بلدة ابن واسانة والوادي كله عن أيماننا، وأسندنا إلى الجبل نستقبل الصحراء إلى ميسلون بلاط شهدائنا، ومشهد أبطالنا، ومبدأ تاريخنا الحديث، ومثوى الأسد الرابض يوسف العظمة، الذي وقف هو وأشبال دمشق العزل الأقلاء في وجه ثاني دولة قوية ظافرة، فما ضعفوا ولا استكانوا ولا جبنوا؛ وما زالوا يقاتلون ويدافعون عن العرين ثابتين ما ثبتت الروح في أجسامهم، حتى أعجزهم أن يعيشوا أشرافاً فماتوا أشرافا؛ فكان موتهم حياة لهذه الأمة التي حفظت العهد وحملت الأمانة؛ وكانت قبورهم مناراً أحمر في طريق هذا الشعب المجاهد المستميت لن يقف أو يتباطأ حتى يأخذ (الكل) الذي (أعطى) الآن (بعضاً) منه، ولن ينام حتى يرى هذه الصحراء قد آضت جنات ألفافا، تحمل الزهر الذي لا يسقى إلا بالماء الأحمر الملتهب تحمل أزهار الحرية
سيبقى هذا اللحد لتمر عليه الأجيال الآتية، الأجيال الحرة العزيزة، فتذكر جهاد أسلافنا، وتعرف الثمن الذي دفعوه، ولتعلم أن القوة إن غلبت الحق حيناً، فان الحق يصنع القوة التي يغلب بها دائماً