مشى ومشت فيالق من فرنسا ... تجر مطارف الظفر اختيالا
أقام نهاره يلقى ويلقى ... فلما زال قرص الشمس زالا
فكفن بالصوارم والعوالي ... ووسد حيث حال وحيث صالا
إذا مرت به الأجيال تترى ... سمعت لها أزيزاً وابتهالا
ثم أخذت السيارة تصعد بنا في مسالك ملتوية مستديرة تزيغ الأبصار من استدارتها وعلوها، حتى إذا ظننا أننا بلغنا قنة الجبل تكشفت لنا قنن فإذا نحن لا نزال في الحضيض، وما فتئنا نعلو ونتسلق وندور حتى حاذينا (بلودان) درة المصايف الشامية، وبدا لنا فندقها الفخم الضخم أكبر فندق في سورية كلها (إي ولبنان) الذي بنته الحكومة ليملأ الخزانة مالاً والجيوب ذهباً فملأ النفوس فساداً، والأخلاق انحطاطاً، لما أنشئوا فيه من بلايا وطامات زعموها حضارة ورقيا، ورأيناها الموت الأحمر والبلاء الأزرق فكنا حين نبيع الأخلاق بالمال كمن يطرد ابنه من بيته ويربي فيه ذئبا. . .
ثم عدنا نهبط، وهذه سنة الحياة:(ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع) ولا علا رجل إلا هبط، إلا رجلاً علا بعلمه وبأخلاقه ومواهبه، فذاك الذي لا يهبط أبداً بل يزداد رفعة، لأن علمه لن ينسى، وأخلاقه لن تذهب، ومواهبه لن تضيع، أما من علا على قوائم الكراسي وأعناق الشعب، فأحْرِ به أن يسقط مهما استمر علوّه وطال بقاؤه
أقول: إننا ما زلنا نهبط حتى انتهينا إلى سهل البقاع الخصب الأفيح الجميل، الذي يفصل لبناننا (الشرقي) الأجرد المهيب الرهيب الذي أدرّع المهابة، واتشح بوشاح الخلود، ولاحت عليه سمات الجلال، والجد والوقار، ولبنانهم (الغربي) المرح الفرح الخضر الجميل، الذي اتزر بالسحر، وارتدى رداء الشعر، وكلاهما أخّاذ فاتن، ولكن الأول جليل والثاني جميل، والجنات الخالدات والفراديس الباقيات، في دمشق على سفح لبنان الشرقي. . . قال شوقي:
نبئت لبنان جنات الخلود وما ... نبئت أن طريق الخلد لبنان
وأنت حين يحتويك لبنان الغربي تحسّ بجماله وروعته ولكنك تشعر انك أنت له، وأنك جزء منه، ولكنك تحس حين تكون في لبناننا أنه هو لك، وأنه جزء منك، وشتان بين ما