للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الاختلافات بين العلماء هو صعوبة معنى كلمة (تاو) التي اتخذها هذا الحكيم عنواناً لكتابه؛ ولكن ليس معنى هذا أن تلك الكلمة كانت في الأصل غامضة أو عويصة؛ كلا، فقد مرت بنا في عصر ما قبل التاريخ وعرفنا أن معناها إما (الصراط السوي) وإما (واجب الإنسان) أو (الفضيلة العليا) أو (الغاية المثلى) ولكن الصعوبة حدثت من المعنى الجديد الذي أسبغه حكيمنا على هذه الكلمة حين اختارها عنواناً لكتابه الفلسفي ولم يصرح في تحديده بكلمة قاطعة؛ بل ترك الباحثين يستنتجون هذا المعنى الحديث من المشاكل التي درست في هذا الكتاب؛ فلما عالج العلماء الأوربيون هذا البحث ذهب كل منهم مذهباً يناقض مذهب الآخر؛ بل إن بعضهم ألقى سلاحه بازاء هذا العنوان وانسحب من الميدان؛ ومن هذا القسم الأخير المسيو (دينيس سورا) الذي أعلن أن هذه الكلمة غير مفهومة. وإذاً فالمذهب النظري لهذا الحكيم غير مفهوم. أما الأستاذ (زانكير) فقد أفاض في شرح هذه الكلمة وتعقب مراميها المختلفة تعقيباً يروي غلة الباحث الشغوف. وخلاصة ما قاله في هذا الشأن أن هذه الكلمة تحمل من المعاني ما لا يمكن أن يؤدى بلفظة أوربية. ولهذا يكون خاطئاً كل من حاول ترجمتها بكلمة واحدة من لغاتنا الحديثة، بل الواجب ترجمتها بجملة طويلة أو بعدة كلمات، فمن معانيها مثلا: الروح الأزلي المشتمل على جميع القوى الحيوية، والكائن النقي، والجوهر الأساسي لكل موجود، والحياة الحقة لكل كائن، والمدبر العام للكون كله، وفوق ذلك كله فهذه الكلمة قد احتفظت بمعانيها القديمة التي كانت له في عصر ما قبل التاريخ، وهي: الصراط السوي، والفضيلة، والواجب، والغاية، والتطور، ولكن ينبغي أن نعلم أن هذا التطور ليس إلا أثراً ظاهراً لهذه القوة، أما هي نفسها فثابتة لا تتغير

واكثر من هذا أن (لاهو - تسيه) يصرح بأن (تاو) هو الـ (في ذاته)، بل هو الكائن الغير القابل لِمُدْرِكِيَّة العقل البشري، لأن أي كائن متى حصره التفكير الإنساني ووضع له اسماً مُحدِّداً، فقِد فَقَدَ نقاءه ولا نهائيته

ولا شك أن من يلقي نظرة عاجلة على المدرسة الأفلاطونية الحديثة ويستعرض ما قاله (أفلوطين) عن الإله يجد الشبه عظيماً بينه وبين هذا الرأي

(يتبع)

محمد غلاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>