ويقضي الفارس السنين العشر الأولى التي تسبق السنّ القانونية للالتحاق بالفروسة في الدرس المتواصل، والاستعداد الدائم لهذه الحفلة التي تعد أكبر حادث في حياته. ولقد ورد في رسالة كتبها دي روم لتلميذه الملك هنري دي جاند في صغره بعض الموضوعات والدروس التي يتعلمها (الرفيق) والصفات التي لا مناص له من اكتسابها لكي يكون فارساً، منها الإحسان والشجاعة والاعتدال؛ والقسم الخير من الجزء الثاني من هذه الرسالة ذكر واجبات (الرفيق) نحو الكنيسة. أما الفصل السابع فيقتصر على الموضوعات العلمية كتعلم اللاتينية والإلمام بالفلسفة، وعلم البيان وهذا خاص بأبناء الأمراء والملوك، وعلم الحساب الذي لابد منه لإتقان الموسيقى، وتعلم الهندسة التي لا غنى لطالب علم الفلك عنها. كل هذه العلوم خاصة بأبناء الطبقة الوسطى وهناك عدا الفنون السبعة المعروفة فنون وعلوم أخرى لابد للطالب من تعلمها وهي:
(١) العلوم الطبيعية لأنها تتعلق بطبيعة الأشياء
(٢) علم ما فوق الطبيعة لأنه يبحث عن الله وملائكته
(٣) علم اللاهوت
(٤) علم الأخلاق لأنه يعلم الفرد ضبط نفسه
(٥) علم السياسة لأنه يعلم إدارة المدن والممالك
وشعار الفارس في حياته - كما رأيت - الدين والحب والحرب، فهو الخادم الأمين المطيع للكنيسة ولسيدته التي تمثل الجنس اللطيف كله، ولسيده الذي يمثل الملوك والنبلاء
وترى مما تقدم أن الفروسة لعبت دوراً باهراً في تاريخ التربية خصوصاً والحياة الاجتماعية عموماً، وأن منهاجها لا يقل عن منهاج الجامعات والمدارس القرن الثالث عشر للميلاد خصوصاً؛ وأثره في أدب الإفرنج لا يقل عن آثره في التربية والاجتماع والسياسة. فقد أصبح مستقى فياضاً لآدابهم، وعلى الفروسة تدور بعض القصص الرائعة والقصائد الحماسية والأناشيد الشائقة؛ وحسبنا في هذا المقام أن نذكر أن الرجوع إلى العصور الوسطى عموماً والفروسية خصوصاً لاختيار الموضوعات الأدبية كان من اكبر خواص ومظاهر العصر الابتداعي في الأدب الإنكليزي في القرن التاسع عشر. واثر هذا