أما ابن بطوطة فقد جاب الصحراء المسلمة واتصل بقبائلها وملوكها ووصل حتى بلدة كارسخو بين نهري النيجر والشنغال. وابن بطوطة رحالة عاش في النصف الأول من القرن الرابع عشر، وقد طاف في معظم الجهات الإسلامية المعروفة في ذلك الحين ومنها غرب أفريقية؛ وقد أحببت أن أنقل عنه أخبار انتقاله باختصار لتكون دليلاً مادياً على وصول الإسلام لتلك الجهات وإن كان الرجل يخلط خلطاً غريباً بين نهري النيل والنيجر، ولكن له في الواقع عذره لجهل العالم كله في ذلك العصر بأواسط أفريقية ومنابع أنهارها. يقول ابن بطوطة:
(ثم سرنا من زاعزي فوصلنا إلى النهر الأعظم وهو النيل وعليه بلدة كارسخو؛ والنيل ينحدر منها إلى كابرة، ثم إلى زاغة؛ ولكابرة وزاغة سلطانان يؤديان الطاعة لملك مالي. . . وأهل زاغة قدماء في الإسلام ولهم ديانة وطلب للعلم؛ ثم ينحدر إلى تنبكتو، ثم إلى كوكو، ثم إلى بلدة مولي من بلاد الليمين - وهي آخر عمالة مالي - ثم إلى يوفي، وهي من اكبر بلاد السودان، وسلطانها من أعظم سلاطينهم؛ ثم ينحدر إلى بلاد النوبة وهم على دين النصرانية؛ ثم إلى دنقلة، وهي اكبر بلادهم وسلطانها يدعى بابن كنز الدين أسلم أيام الملك الناصر؛ ثم ينحدر إلى جنادل، وهي آخر عمالة بالسودان، وأول عمالة أسوان من صعيد مصر)
(ثم سرنا من كارسخو فوصلنا إلى نهر صنعرة، ثم رحلنا إلى بلدة ميمة فنزلنا منها على آبار بخارجها، ثم سافرنا منها إلى مدينة تنبكتو، ومن تنبكتو ركبت النيل في مركب صغير منحوت من خشبة واحدة، ثم سرت إلى مدينة كوكو وهي مدينة كبيرة على النيل؛ ثم سافرت منها إلى تكدَّا، ووصلنا إلى كاهر من بلاد السلطان التكركري؛ ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يوماً في برية لا عمارة فيها إلا أن بها الماء، ووصلنا إلى الموضع الذي يفرق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر وطريق ثوات، وسرنا من هنالك عشرة أيام ووصلنا إلى هكار وهم طائفة من البربر ملثمون، وسرنا من بلاد هكار شهرا، ووصلنا يوم عيد الفطر إلى بلاد برابر، ثم وصلنا إلى بودا وهي من أكبر قرى ثوات، وأقمنا ببودا أياماً ثم سافرنا في قافلة، ووصلنا في أواسط ذي القعدة إلى مدينة سجلماسة. . . الخ)
وهو إذ يتحدث عن معدن النحاس ص٣٢٠ يقول (ويحملون النحاس منها إلى مدينة كوبر