الغربية ولكنه لا يتم له ذلك إلا بعد أن يحور ذوقه ويمرنه تمرينا طويلا على تذوق هذا الأدب، كما يمرن المصري ذوقه على استجادة الموسيقى فيستجيدها بعد طول المران، ولكن هذا ليس من الذوق العام في شيء.
كما لا نستيطع أن ننكر أن هناك نوعا من الأدب عالميا إذا ترجم إلى أية لغة أستجيد كنوع من القصص، ونوع من الأمثال، ولكن سبب ذلك أن هناك قدرا مشتركا بين الأذواق، كما أن هناك قدرا مشتركا بين العقول، فاستجادة المصريين لبعض الأدب الغربي أو الغربيين لبعض الأدب العربي، شأنها شأن اشتراك الناس جميعا في استجادة بعض الطعوم أو بعض قطع الموسيقى، وهذا لا يغير فيما ادعينا شيئا من أن لكل أمة ذوقا عاما خاصا بها.
وهذا الذوق العام للامة يستبد بالأفراد استبدادا لأحد له، فالناس جميعا خاضعون لأنواع شتى من الاستبداد كاستبداد النظم السياسية، واستبداد العقول، واستبداد الرؤساء ولكن هذه كلها محدودة الدائرة، أما استبداد الذوق العام فلا حد له، ولا سلطان يشبه سلطانه، ذلك أنه بجانب الذوق العام للأمة ذوق خاص بالفرد، فكل فرد له ذوقه الخاص يستجيد به بعض الأشياء ولا يستجيد بعضا، ويستحسن به ويستهجن، ويستجمل ويستقبح، ولكنه في ذلك مسلوب الحرية خاضع خضوعا تاما للذوق العام. قد يشتد الحر فلا يطيق الإنسان نفسه، وقد يكون في نوع من اللبس ما يخفف وطأته ويكسر من حدته، ولكن لابد أن تخضع للذوق العام، فتلبس الخناق ورباط الرقبة وما إلى ذلك خضوعا للذوق العام وخشية من استهجانه، فليس إنسان يلبس ما يجب ولا يأكل ما يحب على النمط الذي يحب، ولا يتكلم كما يحب على النمط الذي يحب، إنما هو في كل ذلك عبد أسير ذليل مقيد مغلول، في كل خطوة يخطوها، وفي كل نفس يتنفسه (لقد قيدتنا القوانين بأعمال يجب أن نعملها، وأعمال يجب أن نتجنبها، ولكنها ليست بشيء بجانب أوامر الذوق العام ونواهيه) وعقوبات الذوق العام سريعة فاتكة متنوعة، فهو يعاقب بالاحتقار والازدراء ويعاقب بالنظر الشزر، والكلمة الجارحة القاسية، ويعاقب بالنقد والتجريح، وهو في كل ذلك لا يسمع دفاعا ولا يقبل عذراً، ولا يؤجل عقوبة، ولا يقبل حكمة نقضا وإبراما، ولا يعرف حكما مع إيقاف التنفيذ، لا شيء من ذلك كله ولكن حكمه حكم صارم، قاس ظالم.
وكذلك الشأن في كل نوع من أنواع الفنون، فإذا أشتهر مغن وأعجب ذوق الجمهور فلا حق