لك أن تعيبه، وإذا عبته فعبه سرا، وحذار أن تجهز بذلك فيكون دليلا على فساد ذوقك وضعف حسك.
ومثل ذلك في الأدب، إذا قال الناس أن سحبان وائل خطيب يضرب به المثل في البيان، فيقال أفصح من سحبان فقل مثلهم وإن كنت لم تقف على شيء يثبت فصاحته ويبرهن على بلاغته، وأن فتشت عن كل أقواله فلم تجد إلا اسطرا ثلاثة قال فيها أن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، الخ ولم تستجد هذا فاتهم ذوقك وكرر قولهم:(أبلغ من سحبان)
وإذا قالوا أن من أبلغ خطب العرب خطبة قس بن سادة: أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فأنتفعوا، الخ، فقل كما قالوا إن لم تتذوق وإذا قالوا إن النابغة الذبياني فضل الشعراء بقوله:
هذا غلام حسنٌ وجهه ... مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث ال ... أصغر والأعرج خير الأنام
ثم لهند ولهند وقد ... أسرع في الخيرات منه أمام
خمسة آباءهمُ وأماتهُم ... همْ خير من يشرب صوب الغمام
ثم قرأتها ولم تشعر لها بطعم، ولم ترعك ألفاظها ومعانيها فقل أن النابغة فضّل الشعراء بها، وإلا أتهمت في ذوقك ورميت بضعف أدبك.
وكذلك فأخضع دائما لحكمهم وذوقهم، فمن قالوا فيه أنه إمام الأدب أو سيد الشعراء غير مدافع، أو قالوا أنه شاعر متكلف، أو أديب متخلف، فإياك أن تحدثك نفسك بأن تقلب أوضاعهم أو تخالف إجماعهم.
هكذا استبداد الذوق العام، ولست تستطيع الخروج عليه وإعلان استقلال ذوقك عنه إلا بثورة عنيفة على الذوق وتعرض لكل أنواع العقوبات الذوقية.
ثم أن كل ما ترى في الأمة من مظاهر القبح وإقراره فعلته ضعف الذوق العام، فإذا رأيت الأمة تصدِف عما في بلادها من ازدهار، ولا يخفق قلبها لرؤية جمالها وجمال طبيعتها، ولا تتغزل في محاسنها، فأعلم أن سبب ذلك ضعف الذوق العام، وإذا رأيت الأمة لا تقدس النظافة ولا تشمئز من القذارة اشمئزازها من أبغض شيء وأقبحه، فلعل ذلك بضعف الذوق العام، وإذا رأيتنا في المجتمعات لا نرعى نظاما ولا ننصت لفن أو ممثل ولا نتقيد بأدب