(إن البحر هاجع أيضاً فعينه الوسنى تحدجني بلفتات غريبة وأنفاس الحرى تهب عليَّ. إنه مستغرق في أحلامه يتقلب مضطرباً على جافيات مسانده. إنني أستمع لهديره كأنه يئن بتذكارات مفجعات، وقد يكون هذا الهدير نذيراً بالشؤم آتي الزمان
إنني أشاطرك الأسى أيها المدى المظلم الوسيع، فأنا بسببك ناقم على نفسي أتمنى لو طالت يدي فأنقذك من أصفاد أحلامك)
وانتبه زارا فإذا هو يضحك ساخراً من ذاته فتمرمر وتساءل عما كان سيبلغ به حماسه إلى إطلاق إنشاده لتعزية البحار، وعما إذا كان سيستمر مضعضعاً في سكرة غرامه واستسلامه فقال:(لقد عرفتك في كل زمان يا زارا تقتحم الأمور الخطيرة بلا كلفة وبلا مبالاة، وقد رأيتك طوال حياتك تدغدغ الوحوش المفترسة فكان يكفيك منها أن تهتاج حبك بأنفاسها الحرى وبنعومة مخالبها لتجتذبك إليها
ليس من خطر اعظم من الحب يحدق بالمستغرق في عزلته فإن المنفرد يحب كل شيء يتنسم فيه الحياة؛ وما اعجب جنوني بالحب وتساهلي فيه)
هكذا تكلم زارا وقد عاد إلى الهزء بنفسه؛ غير انه تذكر من هجر من خلانه إليه أنه يسيء إليهم بتفكيره فيهم، فنقم على نفسه وانقلب من ضحكة إلى البكاء فسالت دموعه مريرة يتمازج فيها الغضب والشوق