للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأرض والبحر والسماء بما فيها من قُطّان؛ فأقام في الأرض غابها وأدغالها ومدنها وأنهارها وجبالها ووديانها. . . حتى آلهتها. وأبرز في البحر عرائسه المائسات الفاتنات، فجعل منهن سابحات يتواثبن فوق الموج، وجالسات على النؤي يمشطن شعورهن الداكنة التي تحكي خضرة البحر، وراكبات على ظهور السمك وحيوان الماء يتلاعبن ويتضاحكن. . . وجعلهن ذوات صور متشابهات وغير متشابهات، دليلاً على حذقه وجليل قدرته؛ وجعل فوق هذا كله صورة السماء بكل بروجها الإثني عشر، بحيث جعل منها ستة إلى اليمين، ومثلها إلى اليسار. . . خَلْقَ فلكان، ومن أحسن من فلكان خلقا؟!

وهكذا كان قصر الشمس آية من آيات الفن عجبا، ومع هذه الأبهة البالغة والعظمة الأخاذة، فقد تقدم فيتون غير هياب، ودخل في غير وجل، وكان يلمح اللمحة من الرسوم الجميلة والتصاوير الساحرة، ثم يسلك في سبيله قدما حتى كان في البهو الأعظم الذي يستوي في صدره أبوه، على عرش ممرد ناصع، تنعكس منه أضواء لامعة خاطفة، تبهر النظر، وتُخَسّي الأبصار. وسار الفتى مسافة قليلة، ثم وقف مكانه عَشِيّاً من شدة الخطف والإيماض، ولم يدر أيان يذهب؛ وكان أبوه متشحاً بوشاح فضفاض أرجواني، وعن يمينه وعن يساره وقفت الأيام والشهور والسنون، ثم الساعات في صفوف منظومة متلاحقة؛ ثم وقف الربيع - وتمثله هنا امرأة - وفوق رأسه إكليل جميل من الغار والزهر؛ ومن بعده وقف الصيف، وقد نضا جيب قميصه عن صدره، وقبض على حزمة من سنابل القمح الناضجة بيمينه؛ ثم همَّ الخريف متهالكاً على نفسه، وعلى قدميه أثارات من عصير العنب. . . أما الشتاء بدأ شيخاً وقوراً جلل الشيب رأسه، وتراكم الثلج والبرد على شعره الناصع

وقد لمح أبوللو ولده فيتون حيث سمر مكانه، وقد خطفت الأضواء بصره، وأخذه المنظر العجيب الذي سحره عن نفسه، فيهتف به ويباركه ويقول:

- فيتون! فيم قدمت يا بني! لأمر ذي بال، ليس من ذاك بد؟

- أوه! يا نور السموات والأرض يا فوبوس: يا أبي إن أذنت لي أن أناديك بهذا النداء! إن كنت حقاً ابنك فزودني ببرهان أقدمه للناس حين أقول إني أنا ابن أبوللو

- برهان؟

- اجل، هب لي من لدنك برهاناً يثبت أبوتك لي، فلقد استهزأ بي التلاميذ، وفضحوني في

<<  <  ج:
ص:  >  >>