يا له يوم قيامة؟! لقد ضجت الآلهة في الأرض، وكلما حاول نبتيون الجبار إله البحار أن يخرج رأسه من اليم ليجأر بالشكوى إلى أخيه كبير الآلهة، خاف وذعر أن تحرقه الشمس الهوجاء التي يسوق عربتها فيتون. . ولولا أن جازفت أمنا الأرض فبرزت من المحيطات وهتفت بجوف العظيم، لأصاب من بقي العذاب الأليم. . . لقد قالت له:(يا جوف العلى؟ يا رب الأرباب! إصغ إلي، واستجب لدعائي! ما هذا الذي نامت عيناك عنه فذهب بزرعي وضرعي؟ أهذا جزاء خصوبتي وما تهب عبادك من حَبّ وأبٍ وعنبٍ وقضبٍ وحدائق غُلب؟! أهكذا تكون عاقبة إخلاصي في مكافأة عبادك الذين يقيمون لك الهياكل ويبنون باسمك الصوامع والمعابد؟ ماذا من القرابين يا رب الأرباب يذبح باسمك بعد أن يهلك كل ما عليَّ من قطعان وأسراب ورعال؟ ثم هذه العوالم التي ما أنشأتها إلا بعد عناء وجهد! كيف تدع هذه الشمس الرعناء تأتي عليها جميعاً، وتصير كل شيء في ملكك إلى هيولي؟ استيقظ يا جوف واستمع، وأدركنا بلطفك هذه الساعة التي نحن فيها أشد ما نكون في حاجة إليك. آمين!)
وهب جوف من سباته العميق على جؤار ربة الأرض؛ وأبصر فرأى ما حل بالعالم الجميل من تدمير ووبال. . . فألم وتصدع. . . ونظر إلى عربة الشمس ينتفض فوقها غلام يافع عرف فيما بعد أنه فيتون بن أبوللو فهاج وماج، واخذ صاعقة من أكبر صواعقه وأقتلها، ثم أحكم تسديدها إلى الراكب المجنون. . وأرسلها تقصف وتعزف. . . وتهز الأفلاك. . . فأصماه وأرداه!!
وسقط الغلام الأحيمق من عُلْوِ العالم يتقلب في نهر إريدانوس المتدفق في سهول إيطاليا. . . حيث مات. . . واستراحت الدنيا كلها منه! وعادت الشمس إلى ربها. . . أبوللو المسكين. . . فهو يجري بها إلى اليوم لمستقر لها!!
أما كليمين البائسة، فهي إلى اليوم تبكي ولدها. . . وقد بكته معها أخواتها، وكن في كل صباح يذهبن إلى النهر الذي سقط فيه فيسكبن دموعهن، حتى رثت لهن الآلهة، فسحرتهن إلى أيكات ثلاث من شجر الحور، فهن حانيات على النهر منذ ذلك اليوم حنو المرضعات على الفطيم