للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأوعره، فزادت حيرته واسقط في يديه، وترك كل شيء للقضاء والقدر. . . وضاعف ربكته نسيانه أسماء الجياد. . . وحدث أن ارتفعت هذه فجأة. حتى كانت قاب قوسين من فكي العقرب، ذلك الهولة المخيف الذي أوشك يبتلع العربة بمن فيها. . وشدهت ديانا ربة القمر حين رأت عربة أخيها تتخبط في الآفاق، وتصطدم بالكواكب، فتحدث الشهب، وتحرق العوالم السماوية: (ترى ماذا أصاب أبوللو؟ مسكين! لا بد انه نام. على كل حال سيستيقظ!) ولكن العربة هبطت فجأة حتى صارت في سماء الأرض، وحتى صارت الأرض منها على مدى رمية سهم. . . فما هي إلا لحظات حتى شبت الحرائق في كل الأرجاء. . . هاهي ذي الغابات العظيمة تشتعل. . . وهاهي ذي ألسن النيران ترقص في كل فج. . . وهاهي ذي الوحوش تجري هنا وهناك ثم تسقط في كل البقاع. . . والمدن! المدن العامرة الآهلة. . . إنها تحترق بمن فيها من شيوخ ضعفاء ونساء وولدان. . . أما الشباب! فوا أسفاه على الشباب! إنهم يجرون كالجان إلى البحار والمحيطات والأنهار والينابيع! وهاهم أولاء يقذفون بنفوسهم فيها. . . ولكن! وا أسفاه! إن مياه البحار والمحيطات والأنهار والينابيع تغلي وتفور، ويعب عبابها بالحمم، فالشباب يستجيرون فيها من الرمضاء بالنار! لقد بادت أمم بتمامها، واختبأت أمم في الغيران والكهوف وشقوق الأرض والجبال. . أما الطيور فقد خربت أوكارها ووكناتها، ولم يسلم منها إلا ما لاذ بأفحوص أو أدحى. . . ومسكينات عرائس البحار! لقد شحبت ألوانهن، وذوي جمالهن وغُصْنَ في الأعماق مع السمك يلتمسن الماء البارد، ولجأت أسراب منهن إلى البحار الجنوبية، وآثرن أن يعاشرن البنجوين.! أما قمم الجبال العالية التي ظلت منذ الأزل مجللة بركام الثلج، فقد خلت حللها الناصعة، وحلت عمائمها المخملية، وصارت تلتهب. . . فهذه طوروس الشماء، وتلك القوقاز العاتية، وهاتيك الألب المزهوة. . . كلها تهب. . . كلها تقذف بالحمم. . . حتى أولمب مثوى الآلهة، لقد غدا كومة عالية جداً من النار.

ولقد كانت الصحراء اللولبية فراديس يانعة ولكن فيتون المجنون حولها إلى رمال وكثبان، ولولا أن أدخل النيل رأسه في كثيب مهيل منها لجف ماؤه، وتبخر في السماء كله، ليجري في كوكب آخر! وهكذا فعل الفرات وأخوه، وكذاك صنع الكنج والسند. . . فشكراً لكل الأنهار التي ضنت بنفسها من أجل سعادة البقية الباقية من النوع البشري!

<<  <  ج:
ص:  >  >>