قطرات من ماء أولمب، كي يقوى الفتى على تحمل الحرارة الفائقة، والصبر لضوء الشمس القوي؛ ثم وضع على رأسه الصغير هالة النور الربانية، وأشار إليه فاستوى على العربة العظمى التي تجر الشمس، فتنير أقطار السموات والأرض، وقال يوصيه:
- (أي بني! ها قد استويت على عربة أبيك التي ما قادها من قبل أحد غيره، ولا يقدر عليها أحد سواه! أي بني فاشدد إليك أعنة الخيل، وتجنب أن تلهبها بهذا السوط، فهي قد مرنت على الطريق وهي لا تبطئ حتى تحتاج إلى أن تساط. أي بني ولا تنحرف عن شمالك أبداً، وظل منتهجاً سبيل الاستواء الذي هو الدائرة الوسطى من الدوائر الخمس؛ وأحذر أن تعلو إلى الدائرة العليا أو أن تسفل إلى الدائرة السفلى؛ وسترى أثار رحلاتي من قبل، فسر على دربها تصل إن شاء الله. أي بني ولا ترتق معارج السموات فتصيب مساكن الآلهة، ولا تهو قريباً من الأرض فتجعل كل ما فيها جرزاً، بل خذ الطرق الوسطى أبداً، فإن خير الأمور أوساطها. . . فإذا أفلتت الأزمة من يديك، فظل حيث أنت، ولا تذهب مذاهب شتى في رحب السماء. وسأتولى أنا بعد ذلك إنارة الأرض والسموات. أي بني وما دمت قد اخترت لنفسك برغمي، فلا أقل أن تعي نصيحتي والسلام عليك)
ورد فيتون على أبيه السلام. . . وانطلق من أبواب المشرق وطفقت الخيل الصافنات تنفث اللظى فتموه السحب بالذهب، وتسابق أنفاس النسيم التي تهب هي الأخرى رخاءً من أبواب المشرق
وعجبت الخيل بعد شوط قصير من هذا الحمل الخفيف الذي لا عهد لها به؛ وعجبت أكثر حين أحست بالعربة تتأرجح خلفها كالزورق الذي ليس له صُبرَةٌ تثبت به في مهب الأعاصير
وجمحت الخيل. . . وانطلقت في غير طريقها المعهود. . . ولأول مرة ارتفعت حتى كادت تتلمس الدبين الأكبر والأصغر، فثار ثائرهما من لفح الحر؛ ولأول مرة كذلك تحرك الثعبان المنحوى فوق نجم الشمال حين أحس الدفء فنفث سمه الذعاف، وفرت من طريقه الكواكب. . . ونظر فيتون تحته، فرى الأرض تلف كالخذروف فريع قلبه، وزلزلت نفسه، وسقطت من يديه أعنة الخيل فجرت به في السفل حتى اقتربت من الأرض. . . ونظر وراءه. . فرأى أنه لم يقطع من الثلث الأول إلا أقله؛ ثم نظر أمامه فوجد أكثر الطريق