المرتقى لأنه يميل قليلا قليلا عن خط العمود؛ وخيلي ترقى مزالفه في صعوبة ليس بعدها صعوبة؛ والثلث الثاني عال شديد العلو، لأنه يرتفع فوق قمة العالم، حتى لأجزع أنا نفسي من أن أنظر إلى أسفل تقية للدوار يأخذ في رأسي حين أرى إلى البحر المتمرد والبطاح الشاسعة والجبال الشم تزدلف من تحتي؛ أما الثلث الأخير فحدور شاق كمهاوي الجبل إذا وقفت عليه فوق شَعَفَتِهِ، ولذا فهو يقتضي الحذر وَحصْر البصر؛ حتى إن تأثير الواقف في نهايته ليتلقاني، يرتعد من الخوف عليّ، والرثاء لي، خشية أن أتردى في هاوية اللانهاية. هذا، ولا تنس السماء التي تجري فوقي لمستقر لها، بكل ما فيها من كواكب وأجرام، فإذا غفلت لحظة، أو أخطأت قيادة العربة، جرفتني في دورتها إلى حيث لا أعلم أين تذهب أو تستقر بي. ثم تدبر معي قليلا يا فيتون، إذا أنا سمحت لك بقيادة العربة، فماذا يصيبك من الهلع حين تنظر إلى السُّفل فترى الأرض تلف، والسباع تهمهم في الأدغال، والناس يكظون المدن، والآلهة تطل من قصور الأثير، والأشباح تسري حواليك كالسمادير؟ ماذا من الروع يعتريك يا ولدي؟ هل تستطيع أن تكبح جماح الخيل أو حتى تملك ألاّ يفلت العنان منك؟ إنك ستمر بين قرني الثور أمام الحوت، وعلى مقربة فكي العقرب وذراعي السرطان. . يا بني! هل تستطيع أن تقود الخيل التي تنفث اللهب من مناخرها وأفواهها وسط هذه الدُّنى الدائبة؟ اختر لنفسك يا بني ولا تجعل الناس يقولون أهلكه أبوه)
وتشبث فيتون وركب رأسه، ولم يشأ أن ينكل قيد شعرة؛ فلم يسع أبوللو أن ينطلق به حيث عربة الشمس! العربة العظيمة المطهمة، المصنوعة كلها من الذهب الخالص، وقليل من الفضة المزركشة بالآلي والجوهر، وأحجار الماس التي تعكس أشعة الشمس جميعاً فتضاعف أضواءها، وتزيد كثيراً في لآلائها
وتقدمت ربة الفجر ففتحت أبواب المشرق، ونضرت بالورد طريق أبوللو؟ ثم أخذت النجوم تثب كالحمائم قِبَلَ المغرب وفي أثرها نجمة الصبح فريدة كأنها الورقاء
وتلفتت أبوللو إلى الساعات المنتشرة عن جانبيه، فأمرهن أن يسرجن الخيل، فأطعن، وقصدن إلى إسطبل الكبير حيث وجدن الخيل قد التهمت كفايتها من العلف المقدس، فوضعن في أفواهها اللجم، وأسرجتها بكامل عدتها
وتناول أبوللو وجه ولده فنصحه بطيوب إلهية، وضمخه بدهن كريم، ثم قطر في عينيه