وتمييز الكفايات بعقد به آمالا كباراً، ويرشحه على حداثة سنه للأمر الجليل بعد الأمر الجليل.
لم يكد ينتصف العقد التاسع من القرن الأول الهجري حتى كانت الفتن التي صدعت وحدة الدولة الإسلامية من بعد معاويةقد ركدت ريحها، فانتهت ثورة ابن الزبير بالحجاز، وكسرت شوكة الخوارج بفارس، وسكنت العاصفة الهوجاء التي أثارها أبن الأشعث بالعراق. هنالك عاود العرب حبهم القديم للفتح والتغلب، وكان الحجاج واضع سياسة ذلك الاتجاه الجديد ومنفذها، فغزا قتيبة بن مسلم ما وراء النهر وأوغل فيها، وتوطد سلطان الدولة ببلاد عمان وغزا موسى بن نصير المغرب وقرع أبواب الأندلس نفسها. وقد أراد الحجاج أن تأخذ ثقيف بنصيبها من شرف هذه الفتوح الجسام، فأغزى أبن عمه محمد بن القاسم السند التي هي مدخل ذلك العالم الزاخر بالناس والحافل بالخيرات، والذي يسمى بلاد الهند. الحق أن الحجاج لم يبتكر سياسة غزو الهند فقد عرف هذه البلاد عرب شرقي الجزيرة منذ الجاهلية، وطالما ركبوا البحر إلى شواطئها مستبضعين وتجارا، فلما قامت الدولة الإسلامية طمعوا في غزوها وتملكها. يروي صاحب فتوح البلدان (أن عمر بن الخطاب ولى عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة ١٥هـ فوجه أخاه الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان، فأقطع جيشا إلى تانه (قريب من موقع بومباي الحاضرة) فلما رجع الجيش كتب إلى عمر، فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف حملت ذودا على عود، وأني أحلف بالله أن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم)، وتتابعت غارات عرب البحرين من عبد القيس وغيرها على شواطئ الهند وجزائرها وخاصة جزيرة سيلان التي كان يقال لها إذ ذاك (جزيرة الياقوت) لحسن وجوه نسائها، فمن هؤلاء العرب من أفلح في المقام بها ومنهم من عاد إلى بلاده وملء يديه السبي الرائع والمغنم الوافر. هذا من ناحية العرب، أما من ناحية الهند أنفسهم فقد (هاجرت منهم في الجاهلية طوائف إلى رأس الخليج الفارسي وخضعت للدولة الفارسية القديمة، فلما مصرت البصرة نزلوهاوحالفوا من بها من العرب.)
فلما كان زمن الحجاج أغزى عماله على مكران ثغر السند فكلهم كان ينكب أو يقتل، وأرض السند عبارة عن حوض نهر السند العظيم تنزلها قبائل عديدة قوية نذكر منها الزط والسيابجة والميد والبرهة. وكان بالسند بلدان كثيرة منتشرة في أهضام الأودية ورؤوس