تربطها وتفسرها جميعاً، على أن تنطبق كل ما يكشف من الحقائق بعد وضعها. فإذا أكتشف حقيقة أو أكثر لا تتفق معها عدل عنها إلى قاعدة أخرى، أعم وأشمل، وهكذا (يتدرج) العلم من قاعدة إلى قاعدة أوسع، أي تنطوي على حقائق أكثر. إن العلم لا يرى في هذه القواعد والنظريات والقوانين أكثر من (فروض). ولكن بهذه الفروض وحدها يستطيع أن يكشف الحقائق، لأن كل فرض ينبه إلى حقائق جديدة، ولأن العلماء حين يضعون فرضاً لا يكتفون به ولا يسكنون إليه، بل يجدون في البحث والملاحظة والاستقراء وابتكار الآلات واستنباط الوسائل التي تعينهم على الوصول إلى بيانات أوفى، وحقائق أكثر. وهذه تقابل مع الفرض الموضوع، فان تعارضت معه وضع فرض أشمل. إذن فوضع فرض جديد معناه كشف حقائق طبيعية جديدة - لا تغير في الحقائق السابقة - ومعناه أيضاً (تقدم) - لا تغير - من فرض إلى أخر أشمل.
ومن ذلك نستطيع أن نستنتج بسهولة أن الطالب الثانوي لا يرفض الكتاب الذي ألف منذ خمسين سنة، بل يقبله، ويقرؤه، ولكن النسخة التي بين يديه هي طبعة جديدة من ذلك الكتاب منقحة وموسعة. . .
وزيادة في توضيح المسألة أدع السر جيمس جينس يرد على الأستاذ الطنطاوي:
(إن الغرض العام للعلم هو أن يسير إلى مثل هذه النظريات ويصل إليها، ولا نستطيع مطلقاً أن نعتبر نظريةً ما نهائية أو حقيقةً مطلقة، إذ من المحتمل أن تظهر حقيقة جديدة ترغمنا على ترك هذه النظرية؛ وقد يحدث ذلك للنظرية النسبية ولو أنه بعيد الاحتمال؛ وإذا ما حدث ذلك برغم استبعاده فإن الوقت الذي أنفق في تكوينها لم يضع سدى، بل سيكون تدرجاً إلى نظرية أوسع وأكمل، تتفق مع عدد أكبر من الظواهر الطبيعية. من ذلك يظهر العلم للرجل العادي متغيراً دائم التغير دائراً حول نفسه مخالفاً لنظرياته الأولى، ولكن العالم يراه دائم التقدم، يرقى من نظرية إلى أخرى، تحظى كل نظرية منها باتفاقها مع حقائق تزيد على التي أزاحتها، ورائده الوصول إلى هدفه الأسمى وهو النظرية التي تفسر ظواهر الطبيعة الكاملة)
ثم ينظر الإنسان في نتائج العلم ويسأل: ما هي فائدة هذا العلم؟ وماذا نفع البشرية؟
يريد أن يقول: ما هي فائدة هذا العقل؟ والجواب على ذلك سهل ميسور. فالعقل لم يوجد إلا