بعضهم كورة كسكر بفارس، ووجه بقيتهم إلى الخليفة، فانزلهم أنطاكية وسواحل الشام لينتفع بخبرتهم البحرية في قتال الروم، كذلك أرسل إلى الحجاج فيلة سميت ببعضها مشرعة الفيل التي كانت بواسط، كما بعث إليه بآلاف من الجواميس السندية، فاطلق الحجاج بعضها في آجام كسكر وكور دجلة، وبعث كثيرا منها إلى الخليفة فاطلقها في الآجام التي بين أنطاكية والمصيصة، واتقى بها سباع تلك الآجام وكانت قد كثرت وأخافت السابلة. وقد نمت هذه الماشية بالعراق على مر الزمن حتى أصبحت من أسباب ثروته الاقتصادية في الوقت الحاضر.
تلك غزوة محمد بن القاسم للسند. أنها لا شك تذكرنا بغزو الاسكندر المقدوني لتلك البلاد نفسها في أخريات القرن الرابع قبل الميلاد. فالغزوتان تتشابهان من عدة وجوه، تتشابهان من حيث أن كلتيهما برية بحرية إلى حد بعيد، ومن حيث حداثة كلا الفاتحين وكفايته، ومن حيث أن كليهما نهج في نشر ثقافته بالسند نفس المنهج الذي نهجه الآخر، ومن حيث أن كليهما كان يهدي إلى أستاذه طرفا من طرف فتوحه ويراسله مستطلعاً رأيه، فالفاتح المقدوني كان يهدي إلى أرسطو ويراسله، والفاتح العربي كان يهدي إلى الحجاج ويراسله مصدراً في بعض المواقف عن رأيه. ولو أن أهل السند الذين غزاهم ابن القاسم، والذين قد يكون منهم من يدين بشرعة التناسخ ذكروا تاريخ بلادهم القديم فربما رأوا في الفاتح العربي الحديث انبعاث روح الفاتح المقدوني القديم.
وبعد فماذا كان مصير ذلك الفاتح العظيم؟ لقد جوزى جزاء سنمار وصار إلى شر مصير، فقد نكبه الخليفة سليمان بن عبد الملك نكبة كان فيها تلف مهجته وبوار نفسه. والمصادر القديمة مختلفة في تعليل تلك النكبة، فالمصادر الفارسية، وهي حديثة نسبياً غير موثوق بها تزعم أن بنات داهر أفضين إلى الخليفة بأن أبن القاسم عبث بهن، فأضطرم الخليفة غيظا وأمر بمحمد فوضع في أديم بقرة ثم خيط عليه الأديم وحمل إلى دمشق ففاضت روحه بالطريق فلما بلغ بنات داهر مصرع الفتى استشعرن الندم وقلن أنهن تجنين على ابن القاسم انتقاما ممن قتل أباهن وثل عرشه، فاشتد غضب الخليفة عند ذلك وأمر بهن فقتلهن شر قتلة: أما المصادر العربية وهي أقدم من المصادر الفارسية وأوثق فلا تذكر شيئا من أمر النسوة، ويؤخذ منها أن الخليفة سليمان بن عبد الملك كان مضطغنا على الحجاج لأنه