بالمدينة مسجداً. ثم قطع نهر بياس إلى الملتان أعظم بلدان السند العليا فامتنعت عليه أول الأمر ثم استولى عليه بممآلاة رجل من أهلها له. ووضع يده على أموال جسيمة كانت بمعبدها البوذى.
كانت الملتان أقصى ما وصل إليه ابن القاسم من ناحية الشمال، قال البلاذري:(ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف درهم، ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف، فقال: شفينا غيظنا وأدركنا أثارنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر).
أخذت الملتان سنة ٩٥هـ وعلى أثر ذلك أتت محمدا وفاة الحجاج فقفل راجعا نحو الجنوب مستولياً في طريقه على مدن لملوك آخرين غير داهر، وكان آخر ما فتح مدينة يقال لها (الكيرج) استولى عليها عنوة سنة ٩٦هـ ثم أتاه نعي الخليفة الوليد بن عبد الملك وولاية أخيه سليمان، فلم يبرح تلك المدينة، وقلب له الدهر من ذلك الوقت ظهر المجن، وأخذ نجمه في الأفول.
لا شك أن الحجاج كان موفقا عندما عهد إلى ذلك الشاب قيادة تلك الحملة الخطيرة. فأن محمداً بحداثة سنه وصدق فروسيته قد ملك زمام أصحابه فلا نسمع أن أحدا منهم حدثته نفسه بخلاف عليه أو عصيان له. ثم أنه بهذه الخلال نفسها وبرجاحة عقله وسعة حلمه اجتذب قلوب السند أنفسهم، فقد قارنوا بينه وبين ملوكهم المترفين المتجبرين المتخاذلين فلم يتمالك كثير من قبائلهم أن إعطاء الطاعة وأخذ جانبه في الحرب كما سبق القول. ويروى أنه عندما شرط عليه أهل المدينة الرور ألا يقرب بدهم وفي لهم بذلك وقال:(ما البد إلا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس)، وكانت حكومته اياهم عادلة رفيقة إذا قيست بحكومة ملوكهم وأمرائهم، فقد تقدم إلى عماله بهذه النصيحة: أنصفوا الناس من أنفسكم، وإذا كانت قسمة فأقسموا بالسوية، وراعوا في فرض الخراج مقدرة الناس على أدائه ولا تختلفوا ولا تنازعوا فتشقى بكم البلاد. ثم أنه كان مدركا كل الإدراك أن عليه واجبين عظيمين: عليه أن ينشر في البلدان التي فتحها الثقافة الإسلامية، وأن يصل بين الشرق والغرب الإسلاميين، من أجل ذلك كان إذا فتح مدينة أنزلها بعض أصحابه، وبنى بها مسجداً. ومن أجل ذلك نقل طوائف من الزط والسيابجة إلى العراق فانزل الحجاج