الخصوص اولئك الفتيان الخائرون المتكسرون، الذين يشبهونه بوجوههم المليحة الناعمة الشاحبة الخالية من كل قوة ونخوة. . ولم تك إلا أسابيع قلائل، حتى زوجت منه وقضي الأمر! والشمس ما برحت في السماء تجري لمستقر لها، والأرض ما انفكت تدور حول محورها المائل المنحرف
ثم كان شهر العسل!
فأما الشهر فلم يكن كشهري وشهرك أيها القارئ، مؤلفا من ثلاثين يوما، أو أحد وثلاثين يوما على أكبر تقدير. بل لقد استطاع الحب (وهو ذلك الساحر البارع) أن يمسه بعصاه، فإذا هو يمتد من أول مايو إلى آخر أكتوبر؛ وإن يوما عند الحب كألف يوم مما تعدون!
هذا ما كان من أمر الشهرّ وأما ما كان من أمر العسل فقد كان أريا شهيا، وشهدا جنيا، وحلاوة وعذوبة ليس وراءهما حلاوة ولا عذوبة، وخمرة سائغة، لم تتناولها بالتحريم شرائع السماء، ولا قوانين الولايات المتحدة.
وظلا غارقين في ذلك البحر الخضم، فلم تنتبه ليلى، ولم تشأ أن تنتبه. وإن كان في الغرقكل هذه السعادة والنعيم، فالويل لمن يفكر في إنقاذ الغرقى!
وسيقول الناس: أن الحب يعمى ويصم، وأنا أربأ بالقارئ أن يكون ممن يرون هذا الرأي، فأن العمى والصم هما (فيما يقال) عاهتان، وما أبعد الحب (وأبعد به) أن يكون مسببا للآفات والعاهات وإنما الصواب أن نقول أن الحب يضع على العينين عصابة من ذلك الطراز الجميل الذي يعصبون به عيني الثور حين يدور بالساقية، فلا يزال يدور ثم يدور، وهو يحسب نفسه قد طاف حول الكرة الأرضية.
وكذلك قد صور الحب لليلى أنها قد طافت العالم وأحرزت الدنيا بأسرها.
كل هذا، والشمس ما برحت في السماء تجري لمستقر لها، والأرض مازالت تدور حول محورها المائل المنحرف.
ثم لم يكن بد من أن يجيء اليوم الهائل المحتوم بعد أن ولى الربيع، وذهب في أثره الصيف، وأتى بعدهما الخريف الذي لا يدارى ولا يمارى، بل يظهر الحقيقة عارية مجردة جافة.
وفي يوم من أيام الخريف بسط الدهر يديه القويتين فجأة، وكشف الغطاء عن عيني ليلى!