نظرت، فلم تصدق الرؤيا التي رأتها. . أجل وقد حسبتها رؤيا مما يراه النائم الغارق في نومه. وكبر مقتاً عندها أن يكون هذا مما تراه هي. . حتى في الحلم. . . فجعلت تغمض عينيها، ثم تفتحهماّ، مرارا. . . لا الفارق أنها ليست نائمة، وهذا الذي تراه ليس حلما. . هو الحقيقة إذن ? أجل وليس بمجديها أن تحاول إنكارها. . صحيح إذن أنها رضيت أحمد هذا زوجا، وأنه (يا للهول!) قد شغفها حبا فلم تكترث للناصحين والعذال. . رضيت بذلك الكائن الممسوخ زوجا، ليكون لها في الحياة رفيقا وعدة وذخرا. ذلك المخلوق اللين المتكسر الخائر، الذي ليس في قلبه همة، ولا في رأسه نخوة، ولا مطمح له في الحياة ولا مأرب، ولا عزمة له ولا إرادة! أن الناس تصفه ظلما بأنه يشبه النساء، وهذا كذب، بل كفر، بل شر من الكفر. أن النساء أجل وأكرم من أن ينتسب إليهن هذا المخلوق، هذا اللين المستخذي، هذا الناعم الخائر، هذا التافه ذو الوجه (الكارت بوستال). ذو الصورة السينمائية الفاترة، الخالية من كل روح ومعنى.
أيمثل هذا الشيء تجن هي. . ليلى؟ ليلى التي طالما جشم أبوها نفسه وجشمها كل عناء وبلاء في سبيل تأديبها وتثقيفها، لايألو في ذلك جهدا ولا مالاً ولا وسيلة! ألم يهيئ لها الأسباب لتتلقى العلم في مصر على خير أساتذة مصر، وفي إنجلترة في خير معاهد إنجلترة وأعظمها جميعا؟. . أجل وما أشد سرورها يوم ألفت نفسها، وهي بنت النيل، في نيونهام كولدج تتلقى العلم هي وبنات النبلاء جنبا لجنب؛ وكان نجمها الساطع محلقا في السماء لا يعلو عليه نجم، ولها بين صواحبها منزلة ومكانة وشهرة قد جاوزت نيونهام إلى جميع دور العلم بكامبردج؛ وملأ الإعجاب بليلى المصرية صدور الشباب من الطلبة، والشيب من الأساتذة المحنكين. . ولقد طالما حاول الكثير من كرام الفتيان أن يتقرب إليها، فكانت ترده في حزم ولطف وتواضع لم يزدها إلا سموا وتقديرا.
ثم تلك الرسالة البديعة التي كتبتها عن الفلسفة العربية؛ فكانت نصرا باهرا، وتاجا براقا لتلك السنين الخمس، التي قضتها في جد ودأب لا تعرف الدعة ولا الهوادة.
وهبطت مصر، تزدحم في صدرهم الآمال، وتريد أن تتبوأ مكانها بين قومها لكي تعمل على نصرهم وسؤددهم، بكل ما أوتيت من قوة وهمة؛ ولم تجد بأسا في أن يكون لها في جهادها العنيف رفيق يشد أزرها ساعدها. ولم تكن ليلى من النساء اللواتي أغلقت قلوبهم