دون الحب برتاج غليظ. . ولكن شاءت المقادير العجيبة أن يكون رفيقها الذي تختاره وترتضيه هو ذلك المخلوق الناعم الخائر، ذلك اللين المستخذي، ذا الوجه الكارت بوستال.
والشمس مازالت في السماء تجري لمستقر لها، والأرض ما برحت تدور حول محورها المائل المنحرف.
وجلست ليلى وهي تطل من نافذتها، تنظر إلى النيل إذ يندفع تياره من الجنوب إلى الشمال، وإلى أشجار الصفصاف، وقد تدلت غصونها إلى الماء كأنها عبرات تسيل؟ وإلى السحب الحمراء قد خلفها الغروب. ومن دونها الأهرام قائمة على الأفق، وإلى الزهرة في السماء تتألق وترقص بين السحاب.
أدركت ليلى أنها أخطأت. . أجل أخطأت برغم كل ما وعاه صدرها من علم وأدب وحكمة وفلسفة، وارتكاب الخطأ حق طبيعي لكل رجل، بل ولكل أمراءه أيضا. . الحيوانات لا تخطيء، لأنها تصدر في أعمالها عن الغريزة، والغريزة معصومة عن الزلل. أما أبناء آدم وبناته فيصدرون عن العقل، وهو كثير العثرات.
إذن ليس ببدع أن تكون ليلى قد ارتكبت خطأ، وليس بعد الخطأ إلا محاولة الإصلاح. . لكن كيف السبيل إلى إصلاح هذا الخطأ؟ ليست الأمراض سواء في قبولها للعلاج، وليست الأخطاء سواء في قبولها للإصلاح.
حاولت ليلى أن تلتمس الإلهام مما تعلمه من حكمة وفلسفة. ولكنها لم تلبث أن تبينت أن ليس هذا بمجديها نفعا. إن للفلاسفة في هذا الموضوع الخطير آراء قلما تسمن أو تغني. . .
إن (نيتشه) الذي تحبه لم يتزوج و (كانت) العظيم عاش عمره الطويل لم يتزوج، وأبو العلاء لم يجن على أحد، و (شوبنهاور) كثيرا ما كان يؤثر صحبة الكلاب على الخلان والأصدقاء، وسقراط وافلارطون؟. . أولى بها ألا تفكر الآن في سقراط وأفلاطون. . . لا. . ليس بنافعها أن ترجع إلى القدماء، كي يحلوا لها مشكلتها الحديثة. . لا بد لها أن تركن إلى نفسها وأن تعتمد على فلسفتها هي. .
أجل وأن لها في هذا الأمر لفلسفة خاصة، ورأيا ستحاول إنفاذه: أنها سوف تصلح أمر أحمد، وسوف تقوم معوجة، وسوف تجعل منه رجلا. . هذا المرام البعيد، الذي يراه الناس