محالا، كانت تحس في أعماق صدرها أنه ليس بمحال، أتراها وفقت إلى العثور على ذلك الحجر العزيز: حجز الفلاسفة فأمست قادرة على أن تحيل الخسيس نفيسا، والدنيء رفيعا؟
كلا! أن ليلى لن تحاول أن تنال بغيتها عن طريق المعجزات بل لقد رأت في أمر زوجها رأيا، حسبته رأيا سديدا، وكان وليد تدبير طويل، وتفكير عميق. . رأت أن أحمد تعوزه الرجولة، في مظهره ومخبره، وفي جسده وفي روحه، في حركاته وتفكيره. وقد عملت أن ليس إصلاح الروح بالشيء اليسير: لكنها تستطيع (على الأقل) أن تكسبه مظهر الرجال. فلتأمره إذن (وهو لها طيع ذلول) أن يلبس الخشن من الثياب: وأن ينعل الخشن من الأحذية: وأن ينطلق إلى ضيعة أبيها فيقيم هنالك شهرين أو ثلاثة أشهر؛ يعمل في حقولها كل يوم، حارثا وزارعا حاصدا، وعليه أن يرسل لحيته وشاربه حتى يغطي الشعر وجهه. . ثم يعود إليها بعد ذلك، وقد لبس حلة الرجولة سابغة شاملة، فمن يد خشنة الملمس، إلى ذراع قوية متينة؛ إلى وجه قد لوحته الشمس يكسوه شارب طويل ولحية مرسلة. أما صوته الناعم الفاتر، فلا بد أن يكتسب شيئا من الخشونة من كثرة ندائه للثيرة، وصياحه خلف المحاريث.
وكانت ليلى تعلم أن هذه كلها ظواهر، ليس فيها نفع ولا غناء، ولكنها كانت مؤمنة بأن إصلاح العرض سيفضي إلى إصلاح الجوهر، الصلاح الإناء وسيلة لإصلاح الشراب؛ وأن أحمد لا يلبث أن يكتسب مظهر الرجولة، حتى تتسرب بعد ذلك إلى لحمه ودمه بفضل ما بين الروح والجسد من رباط متين.
وأحسبها قد اقتبست هذا الرأي من بعض ما درسته من فلسفة وحكمة؛ لكنها كانت أشد أيمانا به من الحكماء الذين قالوا به. وما هي إلا أيام قلائل حتى مضت في تنفيذه، فانطلق أحمد إلى الريف وبقيت ليلى وحدها الليالي والأيام ترقب دورة الفلك؛ والشمس ما برحت في السماء تجري لمستقر لها، والأرض ما فتئت تدور حول محورها المائل المنحرف.
وفي مساء يوم عبوس متجهم من أيام أمشير؛ تلبدت السماء بسحاب أسود قاتم، وكان يعدو من المغرب إلى المشرق؛ طبقات بعضها فوق بعض؛ تحمله في السماء ريح عاصف. . وعلى الأرض زعزع نكباء تثير الموج على صفحات النيل، وتهز جذوع الصفصاف هزا عنيفا، وقد ثارت الزوابع تحمل العثير المطار إلى كل عين وكل أنف. . ومشت ليلى نحو