عدة أسر ترجع إلى أصل واحد وتدين بعقيدة دينية واحدة؛ ثم اتسعت دائرة العشيرة فتحولت إلى قبيلة تتكون من مجموعة من العشائر تضم جمعاً من الأفراد تربطهم رابطة القرابة أو المصاهرة أو المصادقة أو الضرورة للتعاون على اتقاء الأخطار؛ ثم توطنت القبيلة في الإقليم، وكانت مصر مكونة من عدة أقاليم كثيراً ما كانت تتحارب، فيتغلب إقليم على آخر ويضمه إليه. وقد أدت هذه الحروب إلى تكوين مملكتين عظيمتين إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب، إلى أن وحدهما (مينا) أو (ميناوس) أو (مصرايم) أول ملوك مصر بجعلهما مملكة واحدة تخضع لسلطانه سنة ٣٤٠٠ ق. م فكان بذلك أول مؤسس لأسر الفراعنة. لذا قال (أرسطو) في الكتاب الأول من السياسة: إن الأسرة هي مصدر الدولة وأساسها الذي تقوم عليه
وإذ اتضح لنا أن الأسرة هي أول جماعة فطرية وجب علينا أن نبين كيف كانت تلك الخلية الأولى من الوجهة القانونية وعلى أي قاعدة حددت صلاتها وعلاقاتها بين أفرادها من جهة، وبين الجماعات الأخرى من جهة ثانية
كانت سلطة رب الأسرة أو رئيس العشيرة أو شيخ القبيلة مطلقة، يقضي بين أفرادها بما يشاء لا ينازعه في قضائه منازع؛ وتمتد سلطته إلى أموالهم امتدادها إلى أرواحهم. وكان يدير شؤونها الداخلية ويتولى أمورها الخارجية أمام الجماعات الأخرى وفقاً للتقاليد والعادات، فكانت كلمته قانون الأسرة بين أفرادها كما كانت القوة هي القانون الذي يحكم صلاتها مع الجماعات الأخرى؛ فهي التي كانت تفض كل نزاع مهما كان نوعه، سواء أكان هذا النزاع مدنياً أم جنائياً، فمن كتب له النصر وتمت له الغلبة كان الحق والعدل في جانبه. فكانت القوة تحمي الحق بل كانت تخلقه وتوجده؛ فمن كان قوياً استطاع أن يحصل على كل حقه، ومن كان ضعيفاً فات عليه من حقه على نسبة ضعفه؛ وكان الانتقام الفردي هو طريق عقاب الجاني أو الجناة، وكان للمجني عليه أو لأي فرد في أسرته أن يقضي رغبة الانتقام التي تجول في صدره فيختار من طريق العقاب ما يزيل به حقده على كل مرتكب للجريمة. وقد يقوم أفراد أسرة المجني عليه بمهاجمة أفراد أسرة الجاني لتضامنهم في الأخذ بالثأر، ولاعتقادهم بأن جرم الدم لا يمحوه إلا الدم إذ لم يكن هناك من قوانين وقواعد تنظم استعمال ذلك الحق كما لم يكن هناك من سلطات عليا تحدد العقوبة وتشرف